(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦))
يقول الحق جل جلاله : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) أي : فلأجل ذلك التفرّق ، ولما حدث بسببه من تشعّب الكفر شعبا ، فادع إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفيّة القيمة ، (وَاسْتَقِمْ) عليها ، وعلى الدعوة إليها (كَما أُمِرْتَ) ؛ كما أمرك الله. أو : لأجل ما شرع لكم من الدين القويم القديم ، الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون ، فادع الناس كافة إلى إقامته ، والعمل بموجبه ؛ فإن كلا من تفرقهم وشكّهم ، سبب للدعوة إليه والأمر بها ، أو : فإلى ذلك الدين المشروع فادع ، واستقم عليه ، وعلى الدعوة إليه ، كما أمرت وأوحى إليك.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) الباطلة ، وعقائدهم الزائغة ، (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أىّ كتاب كان من الكتب المنزلة ، لا كالذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وهم أهل الكتاب ، (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) (١) ، وفيه تحقيق للحق ، وبيان لاتفاق الكتب فى الأصول ، وتأليف لقلوب أهل الكتابين ، وتعريض بهم. (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) فى الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلىّ ، أو : في تبليغ الشرائع والأحكام ، لا أخص بعضا دون بعض ، أو : لأسوى بينى وبينكم ، ولا آمركم بما لا أعمل به ، ولا أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه. أو : لا أفرق بين أكابركم وأصاغركم. واللام : إما على حقيقتها ، أي : أمرت بذلك لأعدل ، أو : زائدة ، أي : أمرت أن أعدل بينكم.
(اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) خالقنا جميعا ، ومتولى أمورنا ، كلنا عبيده ، (لَنا أَعْمالُنا) لا يتخطانا ثوابها أو عقابها ، (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) لا يجاوزكم وبالها إلى غيركم ، أو : لنا ديننا التوحيد ، ولكم دينكم الشرك. (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) أي : لا خصومة ؛ لأن الحق قد وضح ، ولم يبق للمحاجّاة حاجة ، ولا للفصاحة محل ، سوى المكابرة.
__________________
(١) من الآية ١٥١ من سورة النّساء.