(اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) يوم القيامة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ؛ المرجع ، فيظهر هناك حالنا وحالكم. وهذه محاججة ، لا متاركة ، فلا نسخ فيها.
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) ؛ يخاصمون فى دينه (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) ؛ من بعد ما استجاب له الناس ، ودخلوا فيه ، ليردّوهم إلى دين الجاهلية ، كقوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ...) (١) ، والتعبير عن ذلك بالاستجابة ؛ باعتبار دعوتهم إليه ، أو : من بعد ما استجاب الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم وأيده بنصره ، كيوم بدر ، أو : من بعد ما استجاب له أهل الكتاب ، بأن أقروا بنعوته صلىاللهعليهوسلم ، واستفتحوا به قبل مبعثه. وذلك أن اليهود والنّصارى كانوا يقولون للمؤمنين : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم ، فنزلت : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ ...) الآية. (٢) (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) ؛ باطلة ، (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، وإذا كانت داحضة من حيث كونه ربّا رءوفا فأحرى من حيث كونه قاهرا منتقما. وسمّاها حجة ، وإن كانت شبهة ؛ لزعمهم أنها حجة. (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) عظيم ، لمكابرتهم الحق بعد ظهوره (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) لا يقادر قدره.
الإشارة : إذا استولت الغفلة على النّاس ، وتفرقت القلوب ، يجب على أهل البصيرة النّافذة أن يتحركوا لوعظ الناس وتذكيرهم ، ولا يلتفتون إلى أهوائهم ، وما هو مشغوفون به من حظوظهم. قال تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ ، وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فتدعون النّاس إلى التوحيد ، وإقامة الشرائع ، بامتثال الأوامر ، واجتناب المناكر ، ثم يدسونهم إلى حضرة الحق ، إن رأوا منهم من هو أهله ، فمن فعل هذا كان قدره عند الله عظيما ، وجاهه كبيرا. وفى الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «والذي نفس محمد بيده ؛ إن شئتم لأقسمنّ لكم : إنّ أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ، ويمشون فى الأرض بالنصيحة».
ومن وظيفته أن يقول : آمنت بما أنزل الله من كتاب ، وما بعث من نبى وولىّ ، وأمرت لأعدل بينكم فى الوعظ ، والنّصيحة ، وإمداد المدد ، لكن يأخذ كلّ واحد على قدر صدقه وتعظيمه ، ثم يقول : (الله ربنا وربكم) ، يخص برحمته من يشاء ، لنا أعمالنا : ما يليق بنا من عبادة القلوب ، ولكم أعمالكم : ما تطيقونه من عبادة الجوارح ، لا خصومة بيننا وبينكم ؛ لأن قلوبنا سالمة لكم. الله يجمع بيننا وبينكم فى الدنيا بجمع متصل ، وإليه مصير الكل بالموت والفناء. والذين يحاجون فى الله ، أي : يخاصمون فى طريق الله ، ويقولون : انقطعت التربية ، حجتهم داحضة ، وعليهم غضب البعد ، ولهم عذاب الكدّ والتعب.
__________________
(١) الآية ١٠٩ من سورة البقرة.
(٢) انظر : تفسير البغوي (٧ / ١٨٨).