أو يحيط بها علم ، كلا ، كيف يحيط به علم ، وقد اتفق فيه الأضداد ، بقوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) (١)؟ ، أىّ عبارة تخبر عن حقيقة هذه الألفاظ؟ كلّا ، قصرت عنه العبارة ، وخرست الألسن لقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). ه.
ولما عرّف بذاته وصفاته ، ذكر شرائعه لعباده ، فقال :
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤))
يقول الحق جل جلاله : (شَرَعَ) أي : بيّن وأظهر (لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) ومن بعده من أرباب الشرائع ، وأولى العزم من مشاهير الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وأمرهم به أمرا مؤكدا. وفى بيان نسبته إلى المذكورين تنبيه على كونه دينا قديما ، أجمع عليه الرّسل ، على أن تخصيصهم بالذكر لما ذكر من علو شأنهم ، ولاستمالة قلوب الكفرة إليه ؛ لاتفاق الكلّ على نبوة جلهم. قيل : خص نوحا وإبراهيم بالوصية ، ونبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم بالوحى ؛ لأن متعلق الوصية غير الموصى ، بل الموصى [إليه] (٢) به ، ومتعلق الوحى : الموحى إليه بذاته ، ولمّا كان ـ صلىاللهعليهوسلم ـ آخر الأنبياء جعل الملقى إليه وحيا ، ولمّا كان ما قبله من الأنبياء متبعين له ، ومنذرين بشريعته ، أنه سيظهر آخر الزمان نبى اسمه «محمد» ، كان ذلك وصية منهم لقومهم على الإيمان به. انظر ابن عرفة.
__________________
(١) من الآية ٣ من سورة الحديد.
(٢) ما بين المعقوفتين غير موجود فى النّسخة الأم.