(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مفاتيح خزائنها ، (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) أي : يوسعه (وَيَقْدِرُ) أي : يضيق على ما تقتضيه المناسبة المبنية على الحكم البالغة. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شىء ، فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغى أن يفعل ، على ما تقتضيه مشيئته وحكمته البالغة.
قال ابن عرفة : تضمنت هذه الآية وصفه تعالى بجميع صفات الكمال ، فالقدرة فى قوله : (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والوحدانية فى قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) والإرادة فى قوله : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) ؛ لأن تخصيص البعض بالبسط إنما هو بالإرادة. والعلم فى قوله : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، والكلام فى قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) ؛ لأن المراد به الحكم الشرعي ، وهو خطاب الله تعالى المعلق بأفعال المكلفين ، وخطابه كلامه. ه. زاد فى الحاشية الفاسية : يعنى وكلّ وصف من هذه الأوصاف يستلزم الحياة ، مع أنه قال : (يُحْيِ الْمَوْتى) والإحياء إنما يكون من الحي. ه.
الإشارة : قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) قال القشيري : ويقال إذا لم تهتدوا إلى شىء وتعرضت منهم الخواطر ؛ فدعوا تدبيركم والتجئوا إلى ظلّ شهود تقديره ، [وانتظروا] (١) ما الذي ينبغى لكم أن تفعلوا بحكم تيسيره. ويقال : إذا اشتغلت قلوبكم بحديث أنفسكم ، فلا تدرون أبالسعادة جرى حكمكم ، أو بالشقاوة جرى اسمكم ، فكلوا الأمر فيه إلى الله ، واشتغلوا فى الوقت بأمر الله ، دون التفكّر فيما ليس له سبيل إلى علمه من عواقبكم. ه.
وقوله : (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : شققهما من أسرار الغيب ، ومتجلّ بهما وسائر الكائنات. جعل لكم فى عالم الحكمة من أنفسكم أزواجا ليقع التناسل ، بعضكم من بعض ، ومن الأنعام أزواجا ليقع التناسل فيها ؛ وأما بحر الجبروت فليس كمثله شىء. وقال بعض العارفين : ليت شعرى هل معه شىء حتى يشبهه أو لا يشبهه ، كان الله ولا شىء معه ، وهو الآن على ما عليه كان. فقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي : ليس معه شىء حتى يشبهه.
وقال الورتجبي عن الواسطي : [أمور] (٢) التوحيد كلها خرجت من هذه الآية ؛ لأنه ما عبر عن الحقيقة بشىء إلا والعلة مصحوبة ، والعبارة منقوضة ؛ لأن الحق لا ينعت على أقداره ؛ لأن كلّ ناعت مشرف على المنعوت ، وجلّ أن يشرف عليه مخلوق. وقال الشبلي : كل ما ميزتموه بأوهامكم ، وأدركتموه بعقولكم فى أتم معانيكم ، فهو مصروف إليكم ، ومردود عليكم ، محدث مصنوع مثلكم ؛ لأن حقيقته عالية عن أن تلحقها عبارة ، أو يدركها وهم ،
__________________
(١) ما بين المعقوفتين أثبته من القشيري.
(٢) فى عرائس البيان : (رموز).