(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ خالقهما ومظهرهما ، وهو خبر ثان لذلكم ، أو عن مضمر ، (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ؛ من جنسكم (أَزْواجاً) ؛ نساء (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي : وجعل للأنعام من جنسها أزواجا ، أو : خلق لكم من الأنعام أصنافا ؛ ذكورا وإناثا ، (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي : يكثّركم فيما ذكر من التدبير البديع ، من : الذرء ، وهو البث ، فجعل النّاس والأنعام أزواجا ، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل ، واختير لفظ «فيه» على «به» ؛ لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير. والضمير فى «يذرؤكم» يرجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلبا فيه المخاطبون العقلاء على غيرهم.
وقال الهروي : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي : يكّثركم بالتزويج ، كأنه قال : يذرؤكم به. ه. وقال ابن عطية : لفظة «ذرأ» تزيد على لفظة «خلق» معنى آخر ، ليس فى خلق ، وهو توالى طبقاته على مرّ الزمان ، وقوله : «فيه» الضمير عائد على الجعل. وقال القتبى : الضمير للتزويج. ه.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي : ليس مثله شىء [فى شأن] (١) من الشئون ، التي من جملتها هذا التدبير البديع. قيل : إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفى التماثل ؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة. قال ابن عطية : الكاف مؤكدة للتشبيه ، فنفى التشبيه أوكد ما يكون ، وذلك أنك تقول : زيد كعمرو ، وزيد مثل عمر ، فإذا أردت المبالغة التامة قلت : زيد كمثل عمرو ، وجرت الآية فى هذا الموضع على عرف كلام العرب ، وعل هذا المعنى شواهد كثيرة. ه.
قال النّسفى : وقيل : المثل زائد ، والتقدير : ليس كهو شىء ، كقوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (٢) ، وهذا لأن المراد نفى المثليّة ، وإذا لم نجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل. ه. والجواب ما تقدم لابن عطية.
وقيل : الآية جرت على طريق الكناية ، كقولهم : مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود ، أي : أنت لا تبخل ؛ لأنه إذا نفى البخل عمن هو مثله كان نفيه عنه أولى.
ثم قال تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ؛ سميع لجميع المسموعات بلا آذان ، بصير بجميع المبصرات بلا أجفان. وذكرهما لئلا يتوهم أنه لا صفة له ، كما لا مثل له ، وقدّم تنزيهه عن المماثلة على وصفه بالسمع والبصر ليعلمنا أن سمعه وبصره ليس كسمعنا وبصرنا.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس فى الأصول الخطية ، وأثبته من تفسير أبى السعود ـ رحمهالله.
(٢) الآية ١٣٧ من سورة البقرة.