ولمّا تحققت إنابته ، جعله الله خليفة ، كما قال :
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨))
يقول الحق جل جلاله : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) أي : استخلفناك على الملك فيها ، والحكم فيما بين أهلها ، أو : جعلناك خليفة عمّن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق ، وفيه دليل على أن حاله عليهالسلام بعد التوبة ، كما كان قبلها ، لم يتغير قط ، خلاف ما نقله الثعلبي من تغير حاله وصوته ، ومنع الطيور من إجابته ، فانظره.
(فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) ؛ بحكم الله تعالى ، إذ كنت خليفته ، أو : بالعدل ، (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) أي : هوى النفس فى الحكومات ، وغيرها من أمور الدين والدنيا ، بل قف عند ما حدّ لك. وفيه تنبيه على أن أقبح جنايات العبد متابعة هواه ، (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : فيكون الهوى ، أو اتباعه ، سببا لضلالك عن دلائله اللاتي نصبها على الحق ، تكوينا وتشريعا. و «يضلك» : منصوب فى جواب النّهى ، أو : مجزوم ، فتح ؛ لالتقاء الساكنين. (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ؛ عن طريقه الموصلة إليه. وأظهر «سبيل الله» فى موضع الإضمار للإيذان بكمال شناعة الضلال عنه ، (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا) ؛ بسبب نسيانهم (يَوْمَ الْحِسابِ) ؛ فإنّ تذكره وترداده على القلب يقتضى ملازمة الحق ومباعدة الهوى.
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات على هذا النّظام البديع (باطِلاً) أي : خلقا باطلا ، عاريا عن الحكمة ، أو : مبطلين عابثين ، بل لحكم بالغة ، وأسرار باهرة ، حيث خلقنا من بينها نفوسا ، أودعناها العقل ؛ لتميز بين الحق والباطل ، والنّافع والضار ، ومكنّاها من التصرفات العلمية والعملية ، فى استجلاب