ثم أمر بالرجوع إليه عند الاختلاف ، فقال :
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) ، حكاية لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم للمؤمنين ، بدليل قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) أي : ما خالفكم الكفار فيه من أهل الكتاب والمشركين ، من أمور الدين ، واختلفتم أنتم وهم ، فحكم ذلك المختلف [فيه] (١) راجع إلى الله ، ومفوض إليه ، وهو إثابة المحقّين فيه ، ومعاقبة المبطلين. والمختار العموم ، أي : وما اختلفتم فيه أيها النّاس من أمور الدين ، سواء رجع ذلك الاختلاف إلى الأصول أو الفروع ، فحكم ذلك إلى الله ، وقد قال فى آية أخرى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٢).
ف كل ما اختلف فيه يردّ إلى كتاب الله ، ثم إلى سنة رسول الله ، ثم إلى الإجماع ، ثم القياس ، فهذه هى قواعد الشريعة ، وعليها بنيت الأحكام ، فمن خرج عنها فهو مبطل ، ففى كتاب الله ، وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم من علم الأصول والفروع ما فيه غنية ، فإن لم يوجد نص فالإجماع أو القياس.
وقيل : وما اختلفتم فيه من العلوم ، التي لا تتصل بتكليفكم ، ولا طريق لكم إلى علمه ، فقولوا : الله أعلم.
ثم قال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) أي : ذلكم العظيم الشأن ؛ الله مالكى ومدبر أمرى ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) فى جميع أمورى ، لا على غيره ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ؛ أرجع فى كلّ ما يعرض لى ، لا إلى أحد سواه. وحيث كان التوكّل أمرا واحدا مستمرا ، والإنابة متعددة ، متجددة بحسب تجدد مؤداها ، أوثر فى الأول صيغة الماضي ، والثاني صيغة المضارع.
__________________
(١) زيادة ليست فى الأصول.
(٢) من الآية ٥٩ من سورة النّساء.