بِعِلْمِهِ) ؛ استثناء مفرغ من أعم الأحوال ، أي : ما يحدث شىء من خروج ثمرة ، ولا حمل حامل ، ولا وضع واضع ، ملابسا بشىء من الأشياء ، إلا ملابسا بعلمه المحيط.
(وَ) اذكر (يَوْمَ يُنادِيهِمْ) فيقول : (أَيْنَ شُرَكائِي) بزعمكم ، أضافهم إليه على زعمهم ، وفيه تهكم بهم وتقريع ، (قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي : من أحد يشهد لهم بالشركة ، إذ تبرأنا منهم ، لما عاينا حقيقة الحال ، وتفسير «آذن» هنا بالإخبار ، أحسن من تفسيره بالإعلام ؛ لأن الله ـ تعالى ـ كان عالما بذلك ، وإعلام العالم محال ؛ أما الإخبار للعالم بالشيء ليتحقق بما علم به فجائز ، إلا أن يكون المعنى : إنك علمت من قلوبنا الآن : أنّا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة ؛ لأنه إذا علمه من نفوسهم ، فكأنهم أعلموه ، أي : أخبرناك بأنّا ما منا أحد اليوم يشهد بأنّ لك شريكا ، وما منا إلا من هو موحّد. أو : (ما منا من) أحد يشاهدهم ، لأنهم ضلوا عنهم فى ساعة التوبيخ ، وقيل : هو من كلام الشركاء ، أي : ما منا شهيد يشهد بما أضافوا لنا من الشركة.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ) ؛ يعبدون (مِنْ قَبْلُ) فى الدنيا (وَظَنُّوا) ؛ وأيقنوا (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ؛ من مهرب ، والظن معلق عنهم بحرف النّفى عن المفعولين.
الإشارة : إليه تعالى يردّ علم الساعة ، التي يقع الفتح فيها على المتوجه ، بكشف الحجاب بينه وبين حبيبه ، وما تخرج من ثمرات العلوم والحكم من أكمام قلبه ، وما تحمل نفس من اليقين والمعرفة ، إلا بعلمه. ثم ذمّ من مال إلى غيره بالركون والمحبة ، وذكر أنه يتبرأ منه فى حال ضيقه ، فلا ينبغى التعلق إلا به ، ولا ميل القصد والمحبة إلا له ـ سبحانه ـ وبالله التوفيق.
ثم ذكر ما جبل عليه طبع الإنسان من الجزع والهلع ، فقال :
(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١))