يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ؛ التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فقال بعضهم : حق ، وقال بعضهم : كتبه بيده فى الجبل ، كما اختلف قومك فى كتابك القرآن ، فمن مؤمن به وكافر ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) فى حق أمتك بتأخير العذاب ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ؛ لأهلكهم إهلاك استئصال. وقيل : الكلمة السابقة هو العدة بالقيامة لقوله : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (١) ، وأن الخصومات تفصل فى ذلك اليوم ، ولو لا ذلك لقضى بينهم فى الدنيا. (وَإِنَّهُمْ) أي : كفار قومك (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من أجل القرآن (مُرِيبٍ) ؛ موقع الريبة ، وقيل : الضمير فى (بينهم) و (إنهم) لليهود ، وفى (منه) لموسى ، أو : لكتابه ، وهو ضعيف.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً) بأن آمن بالكتب وعمل بوحيها ، (فَلِنَفْسِهِ) نفع ، لا غيره ، (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ضرره ، لا على غيره ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فيعذب غير المسيئ ، أو ينقص من إحسان المحسن.
الإشارة : الاختلاف على أهل الخصوصية سنّة ماضية ، (ولن تجد لسنة الله تبديلا) ، فمن رام الاتفاق على خصوصيته ، فهو كاذب فى دعوى الخصوصية ، وفى الحكم : «استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك فى عبوديتك» (٢).
ثم ذكر بيان الساعة الموعودة بها فى قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ؛ لأنها محل القضاء بين العباد ، فكأن قائلا قال : متى ذلك؟ فقال :
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨))
يقول الحق جل جلاله : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : إذا سئل عنها يجب أن يقال : الله أعلم بوقت مجيئها ، أو : لا يعلمها إلا الله ، (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) ؛ من أوعيتها ، جمع «كم» بكسر الكاف ؛ وهو وعاء الثمرة قبل أن تنشق ، أي : لا يعلم كيفية خروجها ومآلها إلا الله. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) أي : تعلق النطفة فى رحمها ، وما ينشأ عنها من ذكورة وأنوثة وأوصاف الخلقة ؛ تامة أو ناقصة ، (وَلا تَضَعُ) حملها (إِلَّا
__________________
(١) الآية ٤٦ من سورة القمر.
(٢) (حكمة ١٦١) انظر الحكم بتبويب المتقى الهندى (ص ١١).