يقول الحق جل جلاله : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ) أي : جنسه ، أو : الكافر ، بدليل قوله : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) (١) ، أي : لا يملّ (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ؛ من طلب السعة فى المال والنّعمة ، ولا يملّ عن إرادة النّفع والسلامة ، والتقدير : من دعائه الخير ، فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول ، (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) ؛ الفقر والضيق ، (فَيَؤُسٌ) من الخير (قَنُوطٌ) من الرّحمة ، أي : لا يرجو زواله ؛ لعدم علمه بربه ، وانسداد الطريق على قلبه فى الرّجوع إلى ربه ، بولغ فيه من طريقين : من طريق بناء فعول ، ومن طريق التكرير ؛ لأن اليأس هو القنط ، والقنوط : أن يظهر أثر اليأس فيتضاءل وينكسر ، ويظهر الجزع ، وهذا صفة الكافر لقوله : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٢). وقال الإمام الفخر : اليأس على أمر الدنيا من صفة القلب ، والقنوط : إظهار آثاره على الظاهر. ه.
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) أي : وإذا فرجنا عنه بصّحة بعد مرض ، أو : سعه بعد ضيق ، قال : (هذا لِي) أي : هذا قد وصل إلىّ لأنى استوجبته بما عندى من خير ، وفضل ، وأعمال برّ ، أو : هذا لى لا يزول عنى أبدا ، (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي : ما أظنها تقوم فيما سيأتى ، (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) كما يقول المسلمون ، (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي : الحالة الحسنى من الكرامة والنّعمة ، أو : الجنة. قاس أمر الآخرة على أمر الدنيا ؛ لأن ما أصابه من نعم الدنيا ، زعم أنه لاستحقاقه إياها ، وأن نعم الآخرة كذلك. وهذا غرور وحمق ، الرجاء ما قارنه عمل ، وإلا فهو أمنية ، «الجاهل من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله ، والكيّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت» (٣).
(فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) أي : فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب ، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) ؛ شديد ، لا يفتر عنهم.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ) ، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان ؛ إذا أصابه الله بنعمته ؛ أبطرته النعمة ، وأعجب بنفسه ، فنسى المنعم ، وأعرض عن شكره ، (وَنَأى بِجانِبِهِ) ؛ وتباعد عن ذكر الله ودعائه
__________________
(١) من الآية ٣٦ من سورة الكهف.
(٢) من الآية ٨٧ من سورة يوسف.
(٣) هذا حديث نبوى شريف. أخرجه ابن ماجه فى (الزهد ، باب ذكر الموت والاستعداد له ، ٢ / ١٤٢٣ ، ح ٤٢٦٠) والترمذي فى (صفة القيامة ، باب ٢٥ ، ٤ / ٥٥٠ ح ٢٤٥٩) والحاكم (٤ / ٢٥١) عن شداد بن أوس رضي الله عنه. بلفظ : «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله ، قال الترمذي : حديث حسن.