(وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) به (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أي : صمم ، فالموصول : مبتدأ ، والجار : خبره ، وقيل : فى موضع الجر ، بدل من (الذين آمنوا) أي : هو للذين آمنوا هدى وللذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر ، إلا أن فيه عطفا على عاملين ، وهو جائز عند الأخفش. (وَهُوَ) أي : القرآن (عَلَيْهِمْ عَمًى) ظلمة وشبة ، (أُولئِكَ) البعداء الموصوفون بما ذكر من التعامي عن الحق الذي يسمعونه ، والتعامي عن الآيات الظاهرة التي يشاهدونها ، (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يعنى : أنهم لعدم قبولهم وانتفاعهم ، كأنهم ينادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون ، لبعد المسافة ، وهو تمثيل لحالهم بحال من ينادى من مسافة بعيدة ، لا يكاد يسمع من مسافتها الأصوات ، وقيل : ينادون فى القيامة من مكان بعيد بأقبح الأسماء.
الإشارة : ما يقال لك أيها المتوجه أو الولىّ ، إلا ما قد قيل لمن قبلك من المنتسبين ، فقد أوذى من قبلك من أهل النسبة بأنواع الإذايات ؛ من ضرب وقتل وسجن ، وغير ذلك ، ففيهم أسوة لمن بعدهم ، (إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم). ومما جرت عادة الله فى خلقة ألا يسلّموا لأحياء عصرهم ما نطقوا به من حكم ، وأتوا به من علوم ، ولو بلغت من البلاغة ما بلغت ، كما وقع من طعن الكفرة فى القرآن ، على أىّ وجه جاء ، وهى نزعة جاهلية.
وقوله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) ، قال الورتحبى : هدى ، لقلوب العارفين إلى معدنه ، وهو الذات القديم ، وشفاء لقلوب العاشقين ، وأرواح مرضي المحبة وسقمى الصبابة ، فلأنه خطاب حبيبهم ، وكتاب مشوقهم ، يستلذونه من حيث العبارات ، ويعرفونه من حيث الإشارات. ه. وقوله تعالى : (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) قال ذو النّون : من وقر سمعه وأصم عن نداء الحق فى الأزل ، لا يسمع نداءه عند الإيجاد ، وإن سمعه كان ذلك عليه عمى ، ويكون عن دقائقه بعيدا ، وذلك أنهم نودوا عن بعد ، ولم يكونوا بالقرب. ه. ف كل من قرأه ذاهلا عن تدبره بوساوس نفسه ، فهو ممن نودى فى الأزل عن بعد. وبالله التوفيق.
ولما ذكر بيان القرآن ؛ أتبعه بذكر التوراة ، تسلية أيضا ، فقال :
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦))