الإشارة : كل من أعرض عن الوعظ والتذكار ، ونأى عن صحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به ، إما فى الدنيا أو فى الآخرة. وقوله تعالى : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا ...) الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف ، والذل ، والفقر ، والعجز ، فمن خرج عن واحد منها ، فقد تعدى طوره ، واستحق الهلاك والهوان ، ورمته رياح الأقدار فى مهاوى النيران.
وقوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) أي : بيّنا لهم طريق السير إلينا ، على ألسنة الوسائط ، فحادوا عنها ، واستحبوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية فى الأزل ، فالسوابق تؤثر فى السوابق ، فكأن جبلة القوم الضلالة ، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : فى الدنيا من الصاعقة ، وفى الآخرة من السقوط فى الهاوية. قال القشيري : منهم من نجّاهم من غير أن رأوا النار ، عبروا القنطرة ولم يعلموا ، وقوم كالبرق الخاطف ، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض ، وهم أيضا الأكابر ، وقوم على الصراط يسقطون وتردّهم الملائكة على الصراط ، فبعدوا. ثم قال : وقوم بعد ما دخلوا النار ، فمنهم من تأخذه إلى كعبيه ، ثم إلى ركبتيه ، ثم إلى حقويه (١) ، فإذا بلغ القلب قال الحقّ للنار : لا تحرقى قلبه ، فإنه محترق بي. وقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا (٢) فصاروا حمما (٣). ه منه.
ثم ذكر وعيد أهل الشرك ، فقال :
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ
__________________
(١) الحقو : الخصر
(٢) امتحش الحر أو النار جلده ، أي : أحرقه وقشره عن اللحم.
(٣) الحمم : الفحم وكل ما احترق من النار