وقوله : (سَواءٌ) راجع للأربعة ، أي : فى أربعة أيام مستويات تامات ، أو : استوت سواء (لِلسَّائِلِينَ) أي : قدّر فيها الأقوات للطالبين لها والمحتاجين إليها ، لأن كلا يطلب القوت ويسأله ، أو هذا الحصر فى هذه الأيام لأجل من سأل : فى كم خلقت الأرض وما فيها؟
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ، الاستواء مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد ، تقول العرب : فعل فلان كذا ثم استوى إلى عمل كذا ، يريدون أنه أكمل الأول وابتدأ الثاني ، أو قصد وانتهى. فالاستواء إذا عدى ب «إلى» فهو بمعنى الانتهاء إليه بالذات أو بالتدبير ، وإذا عدّى ب «على» فبمعنى الاستعلاء ، ويفهم منه أن خلق السماء بعد الأرض ، وهو كذلك ، وأما دحو الأرض وتقدير أقواتها فمؤخر عن السماء ، كما صرح فى قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (١) ، والترتيب فى الخارج : أنه خلق الأرض ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض فى يومين. ف «ثم» للتفاوت بين الخلقين لا للترتيب ، أو : للتفاوت فى المرتبة ، ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، كقول القائل :
إنّ من ساد ثم ساد أبوه |
|
ثم ساد بعد ذلك جدّه |
وفى بعض الأحاديث : «إن الله خلق الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعمران والخراب ، فتلك أربعة أيام ، وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النّجوم والشمس والقمر والملائكة ، وخلق آدم عليهالسلام فى آخر ساعة من يوم الجمعة» (٢) وهى الساعة التي تقوم فيها الساعة. قاله النّسفى ، وفى حديث مسلم ما يخالفه (٣).
قال ابن عباس رضي الله عنه : أول ما خلق الله ـ أي : بعد العرش ـ جوهرة طولها وعرضها ألف سنة ، فنظر إليها بالهيبة ، فذابت وصارت ماء ، فكان العرش على الماء ، فاضطرب الماء ، فثار منه دخان ، فارتفع إلى الجو ، واجتمع زيد ، فقام فوق الماء ، فجعل الزبد أرضا ، ثم فتقها سبعا ، والدخان سماء ، فسواهن سبع سموات (٤).
ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان طوعا أو كرها وامتثالهما ؛ أنه أراد أن يكوّنهما ، فلم يمتنعا عليه ، ووجدتا كما أراد ، وكانتا فى ذلك كالمأمور والمطيع ، وإنما ذكر الأرض مع السماء فى الأمر بالإتيان ، مع أن الأرض
__________________
(١) الآية ٣٠ من سورة النازعات.
(٢) أخرجه مطولا والطبري (٢٤ / ٩٤) والحاكم وصحّحه وتعقبه الذهبي (٢ / ٥٤٣) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(٣) أخرج مسلم فى صحيحه (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب ابتداء الخلق ، ٣ / ٢١٤٩ ، ح ٢٧٨٩) عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيدي ، فقال : «خلق الله عزوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم عليهالسلام بعد العصر من يوم الجمعة ، فى آخر الخلق ، فى آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل».
(٤) ذكره النسفي فى تفسيره (٣ / ٢٢٨).