طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢))
قلت : (وتجعلون) : عطف على (تكفرون). و (جعل) : عطف على (خلق) داخل فى حيز الصلة ، و (سواء) : من نصبه فمصدر ، أي : استوت سواء. ومن جرّه فصفة لأيام ، ومن رفعه فخبر هى سواء. و (للسائلين) : متعلق بقدّر ، أو : بمحذوف ، أي : هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض.
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) وهما الأحد والاثنين ، تعليما للتأنى ، ولو أراد أن يخلقها فى لحظة لفعل. (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) ؛ شركاء وأشباها. والحال أنه لا يمكن أن يكون له ند واحد ، فضلا عن التعدد ، وكيف يكون الحادث المعدوم ندا للقديم؟! (ذلِكَ) الذي خلق ما سبق. وما فى الإشارة من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لبعد منزلته فى العظمة ، أي : ذلك العظيم الشأن هو (رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : خالق جمع الموجودات ومربّيها ، فكيف يتصور أن يكون أخس الخلق ندا له؟!
(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) ؛ جبالا ثوابت كائنة (مِنْ فَوْقِها) ، وإنما اختار إرساءها من فوق الأرض لتكون منافع الجبال معرضة لأهلها ، ويظهر للناظرين ما فيها من مراصد الاعتبار ، ومطارح الأفكار ، فإن الأرض والجبال أثقال على أثقال ، كلها ممسكة بقدرة الله عزوجل. (وَبارَكَ فِيها) أي : قدّر بأن يكثر خيرها بما يخلق فيها من منافع ، ويجعل فيها من المصالح ، وما ينبت فيها من الطيبات والأطعمة وأصناف النّعم. (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أي : حكم أن يوجد فيها لأهلها ما يحتاجون إليه من الأقوات المختلفة المناسبة لهم على مقدار معين ، تقتضيه الحكمة والمشيئة ، وما يصلح بمعايشهم من الثمار والأنهار والأشجار ، وجعل الأقوات مختلفة فى الطعم والصورة والمقدار ، وقيل : خصابها التي قسمها فى البلاد. جعل ذلك (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أي : تتمة أربعة أيام ، يومين للخلق ، ويومين لتقدير الأقوات ، كما تقول : سرت إلى البصرة فى عشرة ، وإلى الكوفة فى خمسة عشر ، أي : فى تتمة خمسة عشر ، ولو أجرى الكلام على ظاهرة لكانت ثمانية أيام ؛ يومين للخلق ، وأربعة للتقدير ، ويومين لخلق السماء ، وهو مناقض لقوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (١).
__________________
(١) كما جاء فى آيات ، منها : الآية ٥٤ من سورة الأعراف.