مخلوقة قبل السماء بيومين ؛ لأن المعنى : ائتيا على ما ينبغى أن تأتيا عليه من الشكل والوصف ، أي : ائتى يا أرض مدحوة قرارا ومهادا لأهلك ، وائتى يا سماء [مبنية] (١) سقفا لهم ، ومعنى الإتيان : الحصول والوقوع.
وقوله : (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) لبيان تأثير قدرته فيهما ، وأن امتناعهما عن قدرته محال ، كما تقول لمن تحت يدك : لتفعلن هذا شئت أو أبيت ، طوعا أو كرها. وقال ابن عطية : الأمر بالإتيان بعد اختراعهما ، قال : وهنا حذف ، أي : ثم استوى إلى السماء فأوجدها ، وأتقنها ، وأكمل أمرها ، وحينئذ قال لها وللأرض : ائتيا لأمرى وإرادتى فيكما ، والمراد : تنجيزهما لما أراده منهما ، وما قدر من أعمالهما. ه. حكى أن بعض الأنبياء (٢) قال : يا رب لو أن السماوات والأرض حين قلت لهما : ائتيا طوعا أو كرها عصتاك ، ما كنت صانعا بهما؟ قال : كنت آمر دابة من دوابى فتبتلعهما ، قال : وأين تلك الدابة؟ قال : فى مرج من مروجى ، قال : وأين ذلك المرج؟ قال : فى علم من علومى.
وانتصاب (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) على الحال ، أي : طائعين أو مكرهين. ولم يقل «طائعتين» ؛ لأن المراد الجنس ، أي : السموات والأرضين ، وجمع جمع العقلاء لوصفهما بالطوع والكره ، اللذين من وصف العقلاء ، وقال : طائعين فى موضع طائعات ؛ تغليبا للتذكير ؛ لشرفه ، كقوله : (ساجِدِينَ) (٣).
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) أي : فأحكم خلقهن ، وأتقن أمرهن سبعا ، حسبما تقتضيه الحكمة ، فالضمير راجع إلى السماء ، لأنه جنس ، يجوز أن يكون الضمير مبهما مفسرا بقوله : (سَبْعَ سَماواتٍ) ، فينتصب سبع على الأول حالا ، وعلى الثاني تمييزا. حصل ذلك القضاء (فِي يَوْمَيْنِ) ؛ الخميس والجمعة ، أي : فى وقتين قدر يومين ، فكان المجموع ستة أيام ، (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي : أوحى إلى ساكنها وعمّارها من الملائكة فى كلّ سماء ما شاء الله من الأمور ، التي تليق بهم ، كالخدمة وأنواع العبادة ، وإلى السماء فى نفسها ما شاء الله من الأمور التي بها قوامها وصلاحها.
(وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) ؛ كالشمس والقمر والنجوم ، وهى زينة السماء الدنيا ، سواء كانت فيها أو فيما فوقها ؛ لأنها ترى متلألأة عليها كأنها فيها ، والالتفات إلى نون العظمة لإبراز مزيد العناية بأمرها ، (وَحِفْظاً) أي : حفظناها حفظا من المسترقة ، أو من الآفات ، فهو مصدر لمحذوف ، وقيل : مفعول لأجله على المعنى ، أي : وجعلنا المصابيح للزينة والحفظ. (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي : ذلك الذي ذكر تفصيله تقدير البالغ فى القدرة والعلم ، أو : الغالب العليم بمواقع الأمور.
__________________
(١) فى النسفي (مقبية).
(٢) هو سيدنا موسى ، كما ذكره القرطبي فى تفسيره (٧ / ٥٩٦٤).
(٣) من الآية ٤ من سورة يوسف.