المكتوم ـ الذي ذكره سبحانه ـ هو من أفراد غيب السماوات والأرض ، فكان جريا وتدرّجا في الكلام من الأعمّ إلى الأخصّ من غير نكتة ظاهرة ، وهو رديء ، بل الصالح حينئذ أن يذكر ما كتموه أوّلا ، وجميع الغيب ثانيا.
فهذا الغيب المذكور ليس من جنس السماوات والأرض ؛ حتّى يكون غيبا بالنسبة إلى بعض سكنتهما ، وشهادة بالنسبة إلى بعض آخر ، بل هو غيب خارج عن حيطتهما ، غائب مستور عن سكنتهما ، فلا يشمل الغيب الذي كتموه أوّلا.
وقوله سبحانه : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)
حيث قيّد بقوله : (كُنْتُمْ) مشعر بأنّه كان هناك أمر مكتوم في خصوص آدم وجعل خلافته ، ويظهر ذلك ممّا عقّبه تعالى من قوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ). (١)
فيظهر أنّ إبليس كان كافرا قبل ذلك الحين ، وأنّ إباءه عن السجدة كان مرتبطا بذلك ، فقد كان أضمره.
ويظهر منه أنّ سجدة الملائكة ـ وإباء إبليس عنها ـ كانت واقعة بين قوله سبحانه :
(وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) وقوله سبحانه : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).
ويظهر السرّ أيضا في تبديل قوله أوّلا : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ إلى قوله ـ ثانيا : (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ ...) الآية.
ويظهر من جميع ما مرّ معنى روايات المقام : ففي العيّاشي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «ما علم الملائكة بقولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
__________________
(١). البقرة (٢) : ٣٤.