ولا محدودة بحدّ ، وأنّ القدر والحدّ في مرتبة الإنزال والخلق ، والكثرة التي فيها وتعدّدها ليست من جنس الكثرة العدديّة الملازمة للقدر والحدّ ، بل تعدّد المراتب والدرجات ، وسيجيء شرحها في سورة الحجر إن شاء الله.
فتحصّل : أنّ هؤلاء ـ الذين عرضهم الله تعالى على الملائكة ـ موجودات محفوظة عند الله تعالى ، محجوبة بحجب الغيب ، أنزل سبحانه كلّ اسم في العالم بخيرها وبركتها ، واشتقّ كلّ ما في السماوات والأرض من نورها وبهائها ، وأنّهم على كثرتهم وتعدّدهم لا يتعدّدون تعدّد الأفراد ، ولا يتفاوتون تفاوت الأشخاص ، وإنّما الأمر يدور هناك مدار المراتب والدرجات ، ونزول الاسم من عندهم إنّما هو بهذا القسم من النزول ، كما سيجيء.
ومن هنا يظهر معنى «غيب السماوات والأرض» ؛ وذلك أنّ الإضافة هناك إمّا بمعنى «من» أو بمعنى «اللام» وبعبارة اخرى : مصداق غيب السماوات والأرض إمّا من غير جنس الموجودات السماويّة والأرضيّة ، فيكون موجودا خارجا عن عالم السماء والأرض ، أو من جنس موجوداتهما ، أو الأعمّ من ذلك ، وقد استعمل الغيب في كلامه تعالى في كلّ منها : قال سبحانه : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (١) وقال تعالى : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) (٢) وقال تعالى : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.) (٣)
ويلزم على غير التقدير الأوّل أن يكون قوله : (أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) على غير النظم البليغ ؛ فإنّ
__________________
(١). الأنعام (٦) : ٥٩.
(٢). النساء (٤) : ٣٤.
(٣). هود (١١) : ١٢٣ ؛ النحل (١٦) : ٧٧.