وقد علمنا أن أهل اللغة كلهم يقولون قولنا «ليس زيد بقائم» و «ما عمرو بخارج» أقوى من قولنا «ليس زيد قائما» و «ما عمرو خارجا» وأن دخول الباء يقتضي التأكيد والقوة ، ولا يزيدون على هذه الجملة في التفسير.
ولو قيل لهم : أي قوة أردتم ، أو ليس من نفي قيام زيد بغير باء مخبرا أو منبئا كما هو كذلك مع إدخال الباء ، لما قدروا أن يفسروا القوة إلا بما ذكرناه ان اهتدوا اليه ، والا كانوا مختلفين على صواب ، ويعذروا عليهم أن يسيروا إلى قوة لم يتعد مع إسقاطه الباء.
ونحن نعلم أن العلم أقوى من الظن والظن أقوى من الاعتقاد ، والظن بعضه أقوى من بعض ، فلا يمتنع أن يكون معنى القوة ما ذكرناه.
وبمثل هذا نجيب عن قولهم «ان في الدار لزيد» أو «أنك لقائم» لأنهم يقولون : هذا أقوى ، وما المراد بالقوة إلا ما ذكرناه ، والا فما معنى لها.
وربما زادت العرب حروفا طلبا لفصاحة الكلمة وجزالتها ، وان لم يفد معنى زائدا على ذلك ، كزيادة «ما» في قول البر ما والله ما ذلك لعدم مراس ولا قلة أواس ، ولكنها سمه ما أناس ، وانما أرادت شمه أناس. وقولها : لأمر ما جدع قصير أنفه. وقولهم لأمر ما كان كذا ، وقول الشاعر : لا يسودنكما (١). حذفوا للفصاحة في مواضع كثيرة ، فإن اسأل القرية. وكذلك قد زادوا للفصاحة وتجاوزوا هذا بأن زادوا حروفا يعتبر بظاهرها وقبل الاطلاع على المراد بها المعنى.
ألا ترى أن قولهم «ليس كمثل فلان أحد» وقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) الكاف فيه زائدة ، وهي في الظاهر المغيرة للمعنى ، لأنها تقتضي أنه لا مثل لمثله ،
__________________
(١) ظ : فكما ، ولعل في الكلام سقطا.
(٢) سورة الشورى : ١١.