وانما المراد به لا مثل له. وكذلك قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(١) وانما معناه : ما منعك أن تسجد. وقول الشاعر :
ولا الزم البيض الا تسخرا (٢)
والمعنى : أن تسخرا ، ف «الا» زائدة ، ودخولها مغير للمعنى قبل التأمل.
وأما حملهم طلب التدني على الفصاحة على أن يزيدوا حروفا تغير ظاهرها المعنى. فالأولى أن يفعلوا ذلك فيما لا يغير ظاهر زيادته معنى.
وأظن أني قد أمليت في بعض كلامي وجها غريبا ينافي زيادة «لا» في قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ).
وهو أن يكون المعنى : ما حملك على أن لا تسجد ، ودعاك الى أن لا تسجد ، لأن إبليس ما امتنع من السجود الا بداع اليه وحامل عليه ، والداعي والحامل الى أن لا يسجد مانع من السجود ، فأورد لفظة «المنع» ويبنى الكلام على معناها ، فأدخل لفظة «لا» بناء على المعنى لا اللفظ. وهذا لطيف من التعلل.
ويمكن في قوله «الا تسخرا» ما يقارب ذلك من الحمل على المعنى ، لان الغرض بالكلام انى لا الزمن (٣) أن تسخرن مع مشاهدة الشعر الأبيض ، فأدخل لفظة «لا».
ويجوز أن يكون سبب إدخالها أن معنى كلامه : انى لا ألوم البيض طالبا أن لا تسخرا. وأريد ألا يكون ذلك منهم ، لان من يبرأ من لوم البيض على أن يسخرن ، فقد يبرأ من أن يلومهن طالبا ألا يسخرن ، فلفظة «لا» ها هنا مفيدة غير زائدة.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٢.
(٢) وفي فقه اللغة ص ٣٤٣ وقال أبو النجم : فما ألوم اليوم أن لا تسخرا.
(٣) ظ : ألومن.