فهو (١) في الأمر التكويني والإفاضات التكوينيّة في المعلومات الكونيّة والمكوّنات الزمانية بداء ؛ فالنسخ كأنّه بدء تشريعيّ ، والبداء كأنّه نسخ تكوينيّ ، ولا بداء في القضاء ولا بالنسبة الى جناب القدّوس الحقّ والمفارقات المحضة من ملائكته القدسيّة ، ولا في متن الدهر الّذي هو ظرف الحصول القارّ ، والثبات الباتّ ، ووعاء نظام الوجود كلّه ؛ انّما البداء في القدر وفي امتداد الزمان الذي هو افق التقضّي والتجدّد ، وظرف السبق واللحوق والتدريج والتعاقب ، وبالنسبة الى الكائنات الزمانيّة والهويّات الهيولانيّة ؛ وبالجملة بالنسبة الى من في عالمى المكان والزمان ، ومن في عوالم المادّة وأقاليم الطبيعة.
وكما حقيقة النسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعيّ وانقطاع استمراره لا رفعه وارتفاعه عن وعاء الواقع ، فكذلك حقيقة البداء (٢) عند الفحص البالغ واللحاظ الغائر انبتات (٣) استمرار الأمر التكوينيّ ، وانتهاء اتّصال الافاضة ونفاد تمادي الفيضان في
__________________
(١) كذا.
(٢) اعلم يا صاحب البصيرة وطالب الحقيقة ، إنّ تخصيص البداء وحكمه على الوجه المقصود في المقام بصورة تحديد زمان الكون والتكوين وتخصيص وقت الافاضة من كون تعميمه بحيث يعمّ صورة ارتفاع بعد تقديره فى اللوح وتصويره ، وأن يكون حكمه ومنزلته حكم النسخ المعروف في الأحكام التشريعيّة ومنزلته ، محلّ خطر خطير ، ومحل حذر حذير ؛ بل التحقيق بالعكس كما رآه طائفة من المحقّقين كأنّه اولى وأقرب وأشبه ولعلّ البرهان تقوم عليه بعده ، وان تنزلنا عن هذا التخصيص فكان ذلك التعميم له محل وقيع ومجال وسيع ومشهد رفيع ومنظر منيع.
فانّ الامر القدري والحكم التكويني التدرّجى الواقع على حسب اختلاف القوى والاستعدادات طبيعية جارية على المجرى الطبيعي أو غير طبيعية غير جارية على مقتضى جريان الامور الطبيعية ؛ وقد يجرى على مجرى العادة ومقتضى الطبيعة وقد يرتفع أثره بعد ثبته في دفتر اللوح القدري ، ويمحى عن اللوح قبل وقوع أثره فى العين والخارج ، وفى عالم المادة المستعدة لوقوعه فيها على مجرى العادة الطبيعية لمعارضة سبب من الأسباب والأمور الغير الطبيعية كصلة الرحم والتصدّق والدعاء والتضرّع ـ مثلا ـ الموجبة لطول العمر وازدياده بعد ان استحقّ الشخص بموجب الأسباب والأحوال الطبيعية بخلاف ذلك ، وهذا أمر البدائية المانعة عن وقوع خلافه من الأصل مع ثبت حكم خلافه في اللوح على مقتضى الاسباب الطبيعية ، والمعدّات العادية قبل ظهور أثر الحكم في العين والخارج فارتفع أثره من كون أن يقع ويظهر في المادة ، انصرم وانقطع مدّته كالنسخ في الأحكام العملية الشرعية التي يقع في بعض الأزمنة ثم تنسخ ، فافهم واغتنم!. (نورى).
(٣) انبتات : انقطاع.