وقال ثقة الإسلام أبو علي الطبرسيّ من أصحابنا في تفسيريه «مجمع البيان» و «جوامع الجامع» [الف ـ ٢٩](وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) (١) «يعني حفصة ، عن الزجاج قال : ولمّا حرّم مارية القبطيّة أخبر حفصة أنّه يملك من بعده أبو بكر وعمر.» ثمّ قال : «وقريب من ذلك ما رواه العيّاشي بإسناده عن عبد الله بن عطاء المكّي عن أبي جعفر ـ عليهالسلام ـ إلّا أنّه زاد في ذلك أنّ كلّ واحدة منهما حدّثت أباها بذلك.» (٢).
قلت : ومن نوادر الغرائب أنّ في هذا الباب أفشت حفصة على رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ سرّه في أمر أبي بكر وعمر ، وأبوها عمر أفشى عليه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ سرّه في أمر مروان وبينه من الشجرة الملعونة الامويّة على ما قد سبق. ثمّ إنّ من لطائف أسرار التنزيل الكريم قوله جلّ سلطانه (إِنْ تَتُوبا) خطاب لحفصة وعائشة على طريق الالتفات ، ليكون أبلغ في معاتبتهما ؛ (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) مالت عن طريقة الايمان.
وقرأ ابن مسعود فقد زاغت (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) وإن تتعاونا على النبيّ ـ صلّى الله عليه ـ بالاذاة (٣) والإفراط فيما يسوءه وقرئ تظّاهرا وتتظاهرا وتظهّرا (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) الذي يتولى حفظه وحياطته ونصرته (وَجِبْرِيلُ) أيضا معين له وناصر [ب ـ ٢٩] يحفظه (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ).
في «الكشّاف» : «عن ابن عباس لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن خطاب عنهما حتّى حجّ ، وحججت معه ؛ فلمّا كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة (٤) ، فسكبت الماء على يده فتوضّأ ، فقلت له : من المرأتان اللّتان تظاهرتا على رسول الله فقال ـ
__________________
(١) التحريم ، ٣.
(٢) «مجمع البيان» ، ج ٥ / ٣١٤ و «جوامع الجامع» ، ص.
(٣) الاذاة : يقال آذيت فلانا تؤذيه أذيّة ، واذاة وأذى ؛ ولا نقل إيذاء ، فإنّه غلط. ذكر ذلك أئمّة علوم اللسان والحذّاق المراجيح ـ [كذا] ـ في العربية. (منه).
(٤) الإداوة : إناء صغير من الجلد.