وليس سبيل الايجاد والافاضة أن ينفصل من ذات المفيض الموجد شيء أو يتّصل بذات المجعول الفائض أمر ، بل سبيله أنّه اذا احاط علم الجاعل الفيّاض بأن شيئا ما من الجائزات بحسب ذاته من خيرات نظام الوجود ومنتظرات وجوده ومصحّحات مجعوليّته حاصلة بالفعل ، يترتّب (١) على علمه وانبعث من ارادته في متن الواقع جوهر ذات ذلك الشيء ، وصدرت عن فيّاضيّته وفعّاليته نفس حقيقته وسنخ هويّته وماهيته كما من باب ضرب الأمثال ، وان لم يكن على مضاهاة ومداناة ومشابهة ومناسبة.
اذا تأكّد شوق النفس المجرّدة الّتي لا سلطان لها على البدن وقواه الجسمانيّة الّا بالتدبير والاستخدام ، وبلغ في تأكّده في مرتبة الاجماع انبعث عنه اهتزاز الأعضاء ، وترتّبت عليه حركة الأعضاء الأدوية ، وكما اذا ما بدأ جرم الشمس فاض عنها شعاع النور ، وكما اذا ما دنت زجاجة زيت السراج من بيدر (٢) النار اشتعلت عنه الفتيلة.
والصدور ، وأعني به الجعل والايجاد والافاضة يطلق في اصطلاح العلم ولغة الحكمة على معان ثلاثة :
__________________
إحداهما : فائضة مجعولة مستندة مرتبطة بالذات إلى ذات الجاعل تعالى ، وهو المسمّى بالوجود عندنا بالبرهان الباهر القاطع.
والاخرى : الماهية التابعة في المجعولية ، والصادرة بالعرض لا بالذات جعلا وصدورا تبعيّا ، مجعولية ظل الشيء بتبعيّته.
ولو كانت المغايرة والبينونة بينهما بمجرّد الاعتبارات التعلميّة الذهنية ، وكانت الحقيقة حيثية واحدة ، فلا يتوجّه ولا يتصحّح قوله : «لا حيثية جوهر الذات» فانّ حيثية جوهر الذات هي بعينها تحت حيثية الاستناد والصدور حقيقة ، فلا نتصوّر لجوهر الذات وحقيقتها حيثية اخرى غير حيثية محوضة الاستناد والارتباط ، والارتباط مرتبطة الى ذات الجاعل المذوّت لجوهر ذات مجعولة جعلا بسيطا وتذويتا بحتا صرفا ، بارتباط زائد على حاقّ حقيقة الذات ، مغاير لها بالذات.
فالحقّ الحقيق بالتحقيق والحرىّ بالتصديق ، هو القول بتركّب الأعيان الجوازيّة الموجودة المجعولة من الحيثيتين ، حيثية الوجود ، الفائضة المجعولة أوّلا وبالذات ، وحيثية الماهية المجعولة الصادرة ثانيا وبالعرض بنفس جعل حيثية الوجود ، لا بجعل مستأنف. فالجعل بسيط والمجعول بسيط من وجه. وفيه تركيب من وجه آخر. قال عزّ من قائل (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس / ٨٢] فقوله : جعل ايجاد وتأثير وافاضة فائضة بالذات الذي يكون بقول «كن» هو العين الجوازي الذي يجب بإيجابه تعالى ويوجد بايجاده تعالى. (نورى)
(١) خ : يترتّب.
(٢) بيدر : الموضع الذي يجمع فيه الحصيد ويداس.