قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا من أغث ما يكون من الاحتجاج ، لأننا قد قدّمنا أن الباري تعالى لا يوصف بشيء من هذا من طريق الاستدلال ، لكن من طريق السمع خاصة ، ولا يصح لهم دليل لا من إنجيلهم ولا من غيره من الكتب أن العلم يسمّى ابنا ، ولا في كتبهم أن علم الله هو ابنه. وقد ادّعى بعضهم أنّ هذا تقتضيه اللغة اللاتينية من أنّ علم العالم يقال فيه : إنّه ابنه.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا باطل ظاهر الكذب ، لأن الإنجيل الذي كان فيه ذكر الأب والابن وروح القدس ، لا يختلف أحد من الناس في أنه إنما نقل عن اللغة العبرانية إلى السريانية وغيرها. فعبّر عن معاني تلك الألفاظ العبرانية ، وبها كان فيه (١) ذكر الأب والابن وروح القدس. وليس في اللغة العبرانية شيء مما ذكر وادّعى.
وإن كانوا ممن يقولون بتسمية الباري عزوجل من طريق الاستدلال ، فقد أسقطوا صفة القدرة ، إذ ليس الاستدلال على كونه عالما بأصح ولا أولى من الاستدلال على كونه قادرا ، لا سيما مع قول «بولس» وهو عندهم فوق الأنبياء : «إن المسيح قدرة الله وعلمه تعالى».
قال هذا النص في رسالته الأولى إلى أهل قونية : فليضيفوا إلى هذه الثلاث صفة رابعة وهي القدرة ، وأخرى وهي السمع ، وأخرى وهي البصر ، وأخرى وهي الكلام ، وأخرى وهي العقل ، وأخرى وهي الحكمة ، وأخرى وهي الجود.
فإن قالوا : القدرة هي الحياة.
قيل لهم : والعلم هو الحياة.
فإن قالوا : ليس العلم الحياة لأنه قد يكون حيّ ليس عالما كالمجنون ، قيل لهم : قد يكون حي ليس قادرا كالمغشى عليه ونحو ذلك ، فالقدرة ليست الحياة.
وأيضا فإن كان الابن هو العلم وروح القدس هو الحياة ، فما بال إقحامهم المسيح عليهالسلام في أنه الابن وروح القدس. أترى المسيح هو حياة الله وعلمه؟ وما بال قول بعضهم إنّ مريم ولدت ابن الله؟ أتراها ولدت علم الله؟!
أيكون في التخليط أكثر من هذا؟ وهل حظ المسيح عليهالسلام من علم الله وحياته إلّا كحظ غيره ولا فرق؟
__________________
(١) أي في الإنجيل الذي ذكره.