فإن كان متحركا فقد علمنا أن المسافة التي تتناهى لا تقطع أصلا ، لا في زمان متناه ، ولا في زمان غير متناه.
ثم لا تخلو حركته من أن تكون ، إمّا باستدارة وإمّا إلى جهة من الجهات ، ولا ثالث لهذين الوجهين.
فإن كان متحركا باستدارة وهو غير متناه فهذا محال ، لأن الخطّين الخارجين من الوسط إلى الشرق وإلى العلو غير متناهيين إذن ، فكان يجب أن يكون الجزء الذي في سمت المشرق منه لا يبلغه إلى العلو الذي هو سمت الرأس منه أبدا ، فقد بطلت الحركة إذن على هذا ، فهو متحرك لا متحرك ، وهذا محال مع مشاهدة العيان ، لقطع كل جزء من الفلك الكلي جميع مسافته ورجوعه إلى حيث ابتدأ منه في كل أربع وعشرين ساعة.
وإن كان متحركا إلى جهة من الجهات فهذا أيضا محال ، لأن الحركة نقلة من مكان إلى مكان ، فإذا وجد هذا الجسم مكانا ينتقل إليه لم يكن فيه قبل ذلك فقد ثبتت النهاية له ضرورة ، لأن وجوده غير كائن في المكان الذي انتقل إليه موجب لانقطاعه قبله.
وإن كان لم يزل في المكان الذي انتقل إليه ، وهكذا فيما بعده من الأمكنة فلم يزل غير منتقل ، وقد قلتم : إنه لم يزل منتقلا ، فهو إذن متحرك لا متحرك ، وهذا محال.
وإن قلتم : ساكن. قلنا لكم : اقطعوا من هذا الجرم قطعة بالوهم ، فإذا توهّموا ذلك سألناهم : متى كان هذا الجرم أعظم؟ أقبل أن تقطع منه هذه القطعة؟ أو بعد أن قطعت؟ فأيّا ما قالوا ، أو إن قالوا : إنه مساو لنفسه قبل أن تقطع منه هذه القطعة ، فقد أثبتوا النهاية ، إذ لا تقطع الكثرة والقلة والتساوي إلّا في ذي نهاية.
وأيضا فإن المكان والجرم مما يقع تحت العدد كوقوع الزمان تحت العدد إلّا في نهاية ، وأيضا فإن كان المكان والجرم مما يقع تحت العدد فكل ما أدخلناه ـ فيما خلا من تناهي الزمان ـ من طريق العدد فهو لازم في تناهي المكان والجرم من طريق العدد بالمساحة. وبالله تعالى التوفيق.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وكل ما ألزمنا من يقول بأن الأجسام لم تزل فهو لازم بعينه لمن يقول بأن السبعة الكواكب والاثني عشر برجا لم تزل لأنها أجسام جارية تحت أقسام الفلك وحركته ، فانظر هنالك ما ألزمناه في حدوث الأجسام وأزمانها فهو لازم لهؤلاء ، وتركنا ما يلزم المانية وغيرها في فروع أقوالهم ، كقولهم في المزاج