وإن كنتم تأمرون بأن يخاطب بذلك النور ، فالآمر بذلك أيضا كاذب آمر بالكذب.
فإن قالوا : فأي معنى لدعائكم إلى الخير ، وقد سبق علم الله تعالى فيمن يعلمه ومن لا يعلمه؟
قيل لهم : جواب بعضنا في هذا هو أنّ كل من يدعى إلى الخير فممكن وقوعه منه ، وممكن أيضا فعل الشر منه ، ومتوهم كل ذلك منه ، فوجه دعائنا له معروف ، وليس علم الله تعالى إجبارا ، وإنما هو أنه تعالى علم ما يختاره العبد.
وجواب بعضنا في ذلك هو : أن فاعل كل ما يبدو في العالم فعل خلق وإبداع فهو لله عزوجل لا يتعقب عليه ، فهو خالق دعائنا من ندعوه (١). فإذ ذلك كذلك فلا يجوز سؤال الخالق لما شاء بلم فعلت؟ وهذا هو الجواب الذي نختاره.
ويقال لهم أيضا : أخبرونا عن «ماني» و «المسيح» و «زرادشت» وأنتم تعظمونهم ، أفيهم ظلمة أم كانوا أنوارا محضة؟
فمن قولهم ولا بد : إن فيهم ظلمة ، لأنهم يتغوّطون ، ويجوعون ويألمون. فيقال لهم : فبعض من تعظمون ظلمة مسخوطة ، ويقال لهم : من فعل تلك العجائب التي تنسبون إليهم؟ فمن قولهم : النور الذي فيهم. فيقال لهم : فلم عجز النور الذي فيكم عن مثل ذلك؟
فإن قالوا : لقلّته. قيل لهم : فكان يجب أن يأتي من المعجزات ولو بيسير على قدره. وهذا ما لا مخلص لهم منه البتة أصلا.
ويقال لهم أيضا : إنّ من العجائب التزامكم ترك النكاح لتعجلوا قطع التناسل فهبكم قدرتم على ذلك في الناس ، فكيف تصنعون في الوحش ، والطير ، وسائر الحيوان البري ، والحشرات ، وحيوان المياه والبحار التي تقتل بعضها بعضا أشدّ من قتل بعض الناس لبعض وأكثر؟ فكيف السبيل إلى قطع تناسلها وفراغ امتزاجها؟ وهذا ما لا سبيل لكم إليه أصلا.
فإن كان النور عاجزا عن قطعها عن ذلك فلا سبيل له إلى خلاص أجزائه أبد الأبد. وإن كان على ذلك قادرا فلم لم يعجل خلاص أجزائه؟ ولم يتركها تتردّد في الظلمات؟
__________________
(١) قوله «من ندعوه» لعله يريد : الذي ندعوه.