ورمي الله تعالى جيش أبرهة صاحب الفيل إذ غزا مكة عام مولده صلىاللهعليهوسلم بالحجارة المنكرة بأيدي طير منكرة ، ونزلت في ذلك سورة من القرآن متلوّة إلى اليوم ، وكان ذلك ببركته عليهالسلام وإنذاراته ، وشكوى البعير إليه ، وإبراء عيني عليّ من الرّمد بحضرة الجماعات في ساعة. وسوخ قوائم فرس سراقة إذ تبعه. ودرور الشاه التي لا لبن لها مرارا ، وتسبيح الطعام ، وكلام الذّئب ومجيئه ، وقوله للحكم إذ حكى مشيته كن كذلك ، فلم يزل يرتعش إلى أن مات ، ودعاؤه للمطر فأتى للوقت وفي الصحو فانجلى للوقت. وظهور جبريل عليهالسلام مرّتين مرة في صورة دحية ، ثم أتى دحية بحضرة الناس ، وأخرى في صفة رجل لم يعرفه أحد ، ولا رئي بعدها. وقوله إذ خطب بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المرّي فقال له أبوها : إنّ بها بياضا فقال : لتكن كذلك فبرصت في الوقت ، وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر المشهور ، وغير هذا كثير جدّا.
ومع ما ذكرنا من أن أوّل من تنصّر من الملوك فقسطنطين بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح عليهالسلام ، فو الله ما قدر على إظهار النصرانية حتى رحل عن رومة مسيرة شهر ، وبنى بزنطية وهي القسطنطينية ، ثم أجبر الناس على النصرانية بالسيف والعطاء وكان من عهوده المحفوظة إلّا يولي ولاية إلّا من تنصر والناس سراع إلى الدنيا ، نافرون عن الأذى ، وكان مع هذا كله على مذهب آريوس لا على التثليث ، ولكن هذا من دعوى النصارى وكذبهم ، مضاف إلى ما يدّعونه من أنهم بعد هذه المدة الطويلة ، وبعد خراب بيت المقدس مرة بعد مرة ، وبقائه خرابا لا ساكن فيه نحو مائتي عام وسبعين عاما ، وجدوا الشوك الذي وضع على رأس المسيح بزعمهم ، والمسامير التي ضربت في يديه ، والدّم الذي طار من جنبه ، والخشبة التي صلب عليها ، فلا أدري ممّن العجب؟!! ممن اخترع مثل هذه الكذبة الغثّة المفضوحة ، أم ممن قبلها وصدّق بها ، ودان باعتقادها ، وصلّب وجهه للحديث بها؟ ليت شعري أين بقي ذلك الشوك وذلك الدّم سالمين وتلك المسامير ، وتلك الخشبة طول تلك المدة؟ وأهل ذلك الدّين مطرودون مقتولون كقتل من تستّر بالزّندقة اليوم ، وتلك المدينة خراب يباب الدّهور الطوال ، لا يسكنها أحد إلا السباع والوحش ، وقد شاهدنا ملوكا جلّة لهم الأتباع والأولاد والشيع والأقارب ، صلبوا فما مضت إلّا مدة يسيرة حتى لم يبق لتلك الخشب أثر ، فكيف بأمر من لا طالب له ، وبدول قد انقطعت ، وبلاد قد أقفرت وخلت ونسيت أخبارها؟!
وهذه البردة التي كانت للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والقصعة والسيف على أن الدّولة متّصلة لم