الموت ، وقصة الطير الأبابيل ، ورميها أصحاب الفيل بحجارة من سجيل وكثير من الشرائع ، وكثير من السنن فإنه نقل كل ذلك عن اليماني والمضري ، والرّبعي ، والقضاعي ، وكلهم أعداء متباينون متحاربون يقتل بعضهم بعضا ، ليس هنالك شيء يدعوهم إلى المسامحة في نقلهم له ، ثم نقله عن هؤلاء من بين المشرق والمغرب ، وكانت العرب بلا خلاف قوما لقاحا (١) لا يملكهم أحد كمضر وربيعة ، وإياد ، وقضاعة ، أو ملوكا في بلادهم يتوارثون الملك كابرا عن كابر كملوك اليمن وعمان ، وشهر بن باذام ملك صنعاء ، والمنذر بن ساوى ملك البحرين ، والنجاشي ملك الحبشة ، وجيفر وعباد ابني الجلندى ملكي عمان ، فانقادوا كلهم لظهور الحق وبهوره ، وآمنوا به عليهالسلام طوعا وهم آلاف آلاف ، وصاروا إخوة كبني أب وأم ، وانحلّ كلّ من أمكنه الانحلال عن ملكه منهم إلى رسله طوعا بلا خلاف غزو ولا إعطاء مال ، ولا يطمع في عزّ بل كلهم أقوى جيشا من جيشه ، وأكثر مالا وسلاحا منه ، وأوسع بلدا من بلده «كذي الكلاع» وكان ملكا متوّجا ابن ملوك متوّجين ، تسجد له جميع رعيته ، يركب أمامه ألف عبد من عبيده سوى بني عمه من حمير ، وذي ظليم ، وذود وذي مران ، وذي عمرو ، وغيرهم كلهم ملوك متوجون في بلادهم ، هذا كله أمر لا يجهله أحد من حملة الأخبار ، بل هو منقول كنقل كون بلادهم في مواضعها ، وهكذا كان إسلام جميع العرب ، وأولهم الأوس والخزرج ، ثم سائرهم قبيلة قبيلة ، لما ثبت عندهم من آياته ، وبهرهم من معجزاته ، وما اتبعه الأوس والخزرج إلّا وهو شريد طريد ، قد نابذه قومه حسدا له ، إذ كان فقيرا لا مال له ، يتيما لا أب له ولا أخ له ، ولا ابن أخ ولا ولد ، أميّا لا يقرأ ولا يكتب ، نشأ في بلاد الجهل ، يرعى غنم قومه بأجرة يتقوّت بها ، فعلّمه الله تعالى الحكمة دون معلم ، وعصمه من كل من أراده بلا حرس ولا حاجب ولا بوّاب ، ولا قصر يمتنع فيه على كثرة من أراد قتله من شجعان العرب وفتّاكهم ، كعامر بن الطفيل ، وأربد بن [قيس] (٢) بن جزء ، وغورث بن الحارث ، وغيرهم مع إقرار أعدائه بنبوته كمسيلمة وسجاح وطليحة ، والأسود ، وهو مكذّب لهم ، فهل بعد هذا برهان أو بعد هذه الكفاية من الله تعالى كفاية ..؟ وهو لا يبغي دنيا ، ولا يمنّي بها من اتبعه بل أنذر الأنصار بالأثرة عليهم بعده ، وبايعوه على الصبر على ذلك ، قام له أصحابه
__________________
(١) قوم لقاح ، وحيّ لقاح : لم يدينوا للملوك ولم يملكوا ولم يصبهم في الجاهلية سباء (المعجم الوسيط : ص ٨٣٤).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من سيرة ابن هشام (٤ / ١٣٤).