قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : لا نعلم لهم حجة غير هذه ، وهي من أضعف ما يكون من التمويه الذي لا يقوم على ساق ، لأن من تدبّر أفعال الله كلّها ، وجميع أحكامه وآثاره تعالى في هذا العالم تيقن بطلان قولهم هذا ، لأن الله تعالى يحيي ثم يميت ثم يحيي ، وينقل الدولة من قوم أعزّة فيذلهم ، إلى قوم أذلّة فيعزّهم ، ويمنح من شاء ما شاء من الأخلاق الحسنة والقبيحة ، (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) [سورة الأنبياء : ٢٣].
ثم نقول لهم وبالله التوفيق : ما تقولون فيمن كان قبلكم من الأمم المقبول دخولها فيكم إذا غزوكم؟ أليس دماؤهم لكم حلالا ، وقتلهم حقا وفرضا وطاعة؟ فلا بدّ من بلى.
فنقول لهم : فإن دخلوا في شريعتكم أليس قد حرمت دماؤهم ، وصار عندكم قتلهم حراما وباطلا ومعصية بعد أن كان فرضا وحقا وطاعة؟
فلا بدّ من بلى.
ثم إن عدوا في السبت وعملوا أليس قد عاد قتلهم فرضا بعد أن كان حراما؟ فلا بدّ من بلى.
فهذا إقرار ظاهر منهم ببطلان قولهم ، وإثبات منهم لما أنكروه من أن الحق يعود باطلا ، والأمر يعود نهيا ، وأن الطاعة تعود معصية ، وهكذا القول في جميع شرائعهم ، لأنها إنما هي أوامر في وقت محدود بعمل محدود ، فإذا خرج ذلك الوقت عاد ذلك الأمر منهيا عنه ، كالعمل هو عندهم مباح في الجمعة محرم يوم السبت ، ثم يعود مباحا يوم الأحد ، وكالصيام والقرابين وسائر الشرائع كلها ، وهذا بعينه هو نسخ الشرائع الذي أبوه وامتنعوا منه ، إذ ليس معنى النسخ إلا أن يأمر الله عزوجل بأن يعمل عمل ما ، مدة ما ، ثم ينهى عنه بعد انقضاء تلك المدة ، ولا فرق في شيء من العقول بين أن يعرف الله تعالى ، ويخير عباده بما يريد أن يأمرهم به قبل أن يأمرهم به ، ثم بأنه سينهى عنه بعد ذلك ، وبين ألّا يعرفهم به إذ ليس عليه تعالى شرط أن يعرف عباده بما يريد أن يأمرهم قبل أن يأتي الوقت الذي يريد إلزامهم فيه الشريعة. وأيضا فإن جميعهم مقر بأن شريعة يعقوب عليهالسلام كانت غير شريعة موسى عليهالسلام ، وأن يعقوب تزوج «ليّا» و «راحيل» ابنتي «لابان» وجمعهما معا في عصمته ، وهذا حرام في شريعة موسى عليهالسلام.
هذا مع قولهم : إن أم موسى عليهالسلام كانت عمة أبيه أخت جدّه ، وهي