يَدَاكَ يَدٌ إحداهُما الجُودُ كُلُّه |
|
وراحَتُك الأُخْرَى طِعَانٌ تُغامِرُه |
* المعنى يَدَاك يدان بدلالة قوله إحداهما لأنَّك إن جعلتَ يدا مفرَدا بقى لا يتعلق به شىء ومن وُقُوع التثنيَة بلفظ الافراد ما أنشده أبو الحسن
وعَيْنٌ لها حَدْرةٌ بَدْرة |
|
شُقَّت مَآقِيهِما من أُخُرْ |
فيجوز على هذا القياس فى قوله تعالى (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) أن يُرادَ بالافْراد التثْنية كما أريد بالتثنية الافراد فى قوله * فَان تَزْجُرَانى يا ابْنَ عَفَّانَ أَنْزجِرْ* فأما معنى قوله تعالى (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) فانه لما قال تعالى (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) و (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقال (أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) وقال (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) وقال (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) وقال (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) وقال تعالى (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) فلما أضاف عليهالسلام الخَوْفَ فى هذه المواضع الى نفسه أو أُنْزِل منزلةَ من أضاف ذلك الى نفسه قيل له (اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) فأُمِر بالعزم على ما أريد له مما أُمِر به وحُضَّ على الجِدِّ فيه لئلَّا يمنعَه من ذلك الخوفُ والرَّهبةُ التى قد تَغْشَى فى بعض الأحوال وأن لا يَسْتشعر ذلك فيكون مانعا مما أمر فيه بالمَضَاء وقال (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) فكما أن الشَّدّ هنا بخلاف الحَلِّ كذلك الضمُّ فى قوله (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) ليس يُرَاد الضمُّ المُزِيل للفُرْجة والخَصَاصة بين الشيئين وكذلك قول الشاعر
أشْدُد حَيَازِيمَك لِلموْت |
|
فانَّ الموتَ لاقِيكَا |
ليس يُرِيد الشدَّ الذى هو الرَّبْط والضم وإنما يريد تأهَّبْ له واستَعْدد للقائه حتى لا تهابَ لقاءَه ولا تَجْزَع من وُقُوعه فتكونَ حسَن الاستعداد له كمن قال فيه «حَبِيب جاءَ على فاقَة» وكما روى أن أميرَ المؤمنين علىَّ بنَ أبى طالب قال للحسن بن على إن أباكَ لا يُبَالى أوقعَ على المَوْت أو وَقَع الموتُ عليه وقالوا فى رأْى فلان فَسْخ وفَكَّة فهذا خِلاف الشدّ والضم ووصفوا الرأْىَ والهِمَّة بالاجتماع وأن لا يكون مُنْتشِرا فى نحو قوله
حِمًى ذات أهْوال تَخَطَّيت حَوْلَه |
|
بأصْمَعَ من هَمِّى حِيَاضَ المَتالِف |
فهذا شىء عَرَض ثم نُراجع الغَرَض* ثابت* فى الكَفِّ الراحةُ ـ وهى باطِنها أجمَعُ