للذنوب مسترة للعيوب ، مرضاة للرحمن ، مسخطة للشيطان ، مفتحة لأبواب الجنان ، معدّة لإشراق شموس المعارف الإلهية على ألواح النفوس ، مستنزلة للمواهب الربّانية من الملك القدوس ، روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : لا شفيع أنجح من التوبة ... وعن أبي عبد الله عليهالسلام : إنّ الله تعالى يفرح بتوبة عباده المؤمنين إذا تابوا كما يفرح أحدكم بضالّته إذا وجدها ، انتهى.
ولذلك حثّ القرآن الكريم على التوبة في كثير من آياته الكريمة ، وأمر صاحب الشريعة المقدّسة عليها ، وورد عن العترة الطاهرة في الحثّ عليها الأحاديث الكثيرة مذكورة في مظانّها من الجوامع الحديثية.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ التوبة يجمعها ستّة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وللفرائض الإعادة ، وردّ المظالم ، واستحلال الخصوم ، وأن يعزم أن لا يعود ، وأن يذيب نفسه في طاعة الله كما ربّاها في معصيته ، وأن يذيقها مرارة الطاعة كما أذاقها حلاوة المعصية.
أجمع المسلمون على سقوط العقاب بالتوبة ، ولكن اختلفوا في أنّه هل يجب إسقاط العقاب عند التوبة بحيث لو عوقب التائب بعد توبته كان ظلما ، أو أنّ إسقاط العقاب تفضّل من الله تعالى ورحمة منه بعباده؟
فللمتكلّمين قولان :
الأوّل : رأي المعتزلة وهم قالوا بوجوب الإسقاط ، واستدلّوا على ذلك بعدم حسن التكليف بالتوبة إذا لم يكن إسقاط العقاب واجبا.
والثاني : رأي الإمامية والأشاعرة ، حيث قالوا بعدم الوجوب ، وإنّ العفو عند التوبة تفضّل من الله تعالى ، وإنّ التكليف بها تعريض للطاعة والثواب. والإمامية قالوا بعدم الدلالة العقلية على وجوب العفو.
وعلى القولين لا شكّ أنّ قبول التوبة مع تحقّق شروطها ممّا لا ريب فيه ويسقط العقاب بها. (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) وغيرها من الآيات النيّرات.