وخلعتم بيعتي من أعناقكم ، فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته (١).
فهل يعقل بعد هذه الخطبة الشريفة أن يقول : اختاروا منّي خصالا ثلاثا؟ ويقول : أضع يدي على يد يزيد؟ ويقبل هذه الذلّة والحقارة؟ هيهات من الإمام عليهالسلام الذلّة والبيعة ليزيد الخمور والقرود ، وهو السلطان الجائر المستحل لحرم الله تعالى والمخالف لسنّة رسول اللهصلىاللهعليهوآله.
والقول الصحيح عن لسان الإمام عليهالسلام هو ما ذكره ابن سعد في كتابه إلى ابن زياد قبل كتابه هذا الذي شحنه من الأكاذيب وهو يقول : «أمّا بعد فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا أقدمه وما ذا يطلب ويسأل فقال : «كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم».
هذا هو الموافق لهدف الإمام ومقصده المقدّس ، ولا يقول قطعا : أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، ليكون منفى للإمام ويبقى في واحد من الثغور ويعيش فيه على الذلة والعار والشنار. فهل يليق نسبة هذا الكلام إلى الإمام وهو يقول : إنّي أحقّ من غيّر؟ ثمّ يقول : تسيّروني إلى ثغر وأعيش في رفاه وسرور ـ حاشا وكلّا ـ فما نقله أبو مخنف عن المحدّثين ليس إلّا تبعا لما شاع في ألسنة الهمج الرعاع من نسبة الخصال الثلاث إلى الإمامعليهالسلام وسبب ذلك كما قلنا هو إشاعة أتباع الدولة الأموية وعمّالهم وأذنابهم وأجرائهم الناشرين تلك الأفائك والمفتريات بين الناس كما نرى أمثال ذلك بأعيننا في هذا العصر التعيس.
فالقول الحقّ المطابق للواقع ، هو ما ذكره عقبة بن سمعان الذي عدّه الشيخ الطوسي (ره) في رجاله من أصحاب الحسين عليهالسلام ، كان عبدا للرباب زوجة الإمام عليهالسلام
__________________
(١) لواعج الأشجان ، ص ٩٤ ، الطبعة الثالثة ـ صيدا.