ويكون لا شكّ في صحّته ، فإنّ علمهم بالغيب موهبي مفاض من الله تعالى ومجعول منه سبحانه.
فالعلم بالغيب في الله تعالى ذاتي ، وهو تعالى عالم الغيب بالذات ، وليس غيره تعالى عالما به بالذات ، وعلمه عين الذات ، وفي النبيّ والأئمة عليهمالسلام حادث موهوب إليهم من الله تعالى ، فما هو في الله تعالى عين واجب الوجود وليس صادرا عن علّة غير الذات ، وما فيهم عليهمالسلام صادر عن علّة ومتوقّف على الفيض الإلهي وقد وهبه الله تعالى إليهم ؛ لأنّه انتقاهم وجعلهم عيبة علمه وحفظة غيبه.
فالفرق بين علم الله تعالى بالغيب وعلمهم عليهمالسلام به واضح واسع ، لا يقاس أحدهما بالآخر ، فإنّ الفرق بين الواجب بالذات والحادث المخلوق بجميع شئونه من وجوده وصفاته من البديهيات ، وقد كتبنا فروق العلم الإلهي مع علم الإمام في الرسالة الموجزة المطبوعة كالمقدّمة على رسالة بحثى كوتاه درباره علم إمام بالفارسية لسيدنا العلّامة الطباطبائي دام ظلّه ، فراجع.
قال المفسّر الآلوسي في تفسيره عند قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ ... الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ): لعلّ الحقّ أن يقال : إنّ علم الغيب المنفي عن غيره جلّ وعلا هو ما كان للشخص بذاته ، أي بلا واسطة في ثبوته له ، وما وقع للخواصّ ليس من هذا العلم المنفيّ في شيء وإنّما هو من الواجب عزوجل إفاضة منه عليه بوجه من الوجوه ، فلا يقال : إنّهم علموا الغيب بذلك المعنى ، فإنّه كفر بل يقال : إنّهم أظهروا واطلعوا على الغيب (١).
قالت أمّ الفضل بنت المأمون للإمام أبي جعفر الجواد عليهالسلام : لا يعلم الغيب إلّا الله ، قال عليهالسلام : وأنا أعلمه من علم الله تعالى (٢).
ولا شكّ أنّ الآية القرآنية صريحة في قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أنّ الله سبحانه يظهر غيبه على من ارتضى من رسله.
__________________
(١) روح المعاني ، ج ٢٠ ، ص ١١.
(٢) البحار ، ج ١٢ ، ص ١٢٩ طبعة أمين الضرب.