وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وهو ابن عشرة سنين ، وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنّه غيره ، وبايع الحسن والحسين عليهماالسلام وهو ابنا دون ستّ سنين ولم يبايع صبيا غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما اختصّ الله به هؤلاء القوم وأنّهم ذرية بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ قالوا : صدقت (١).
وينبغي التأمّل في قوله : إنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله ... وقد صدع المأمون بالحقّ والقول الصراح في قوله هذا وأتى بما هو الواقع المراد ، فعلوم الأئمة عليهمالسلام لدني من جانب الله تعالى ، وقال الله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٢) فإذا علّم الله تعالى الخضر عليهالسلام من لدنه علما ، فخاتم الأنبياء وعترته الطاهرة عليهمالسلام أولى بالتعليم منه ؛ لرجحانهم عليه في جميع الكمالات وإلّا لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو باطل كما قدّمنا.
ويدلّ على ما ذهبنا إليه آية التطهير ، فإنّ الله تعالى صرّح فيها أنّه طهّرهم من الرجس ، والألف واللام في «الرجس» إمّا للجنس أو الاستغراق ، يفيد العموم ، فهم طهّرهم الله تعالى من الأرجاس الباطنية كلّها ، والجهل من أظهر مصاديقها فهم مطهّرون عنه ؛ ولذا قال الشيخ الصدوق (ره) : «واعتقادنا فيهم أنّهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم ، من أوائل أمورهم وأواخرها ، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل» انتهى.
وهم حفظة وحي الله وخزّان علمه ، واقتبسوا علومهم بواسطة جدّهم خاتم الأنبياءصلىاللهعليهوآله ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في حقّ أمير المؤمنين عليهالسلام : وعنده علوم الأوّلين والآخرين ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : علّمني رسول الله صلىاللهعليهوآله ألف باب من العلم ... كما نقله المصنّف (ره) ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم
__________________
(١) الإرشاد ، ص ٣٤٣ ـ ٣٤٧.
(٢) الكهف ١٨ : ٦٥.