ص ٣٨٩ س ١٤ : «ذلك الصبي الكامل».
وممّا هو جدير بالذكر هنا : أنّ الأئمة الطاهرين المعصومين عليهمالسلام علومهم مقتبسة عن مشكاة النبوّة ، صاحب الرسالة المقدسة جدّهم خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ولم يكن لهم احتياج إلى المعلّم والمؤدّب من البشر وإلى من يأخذون علومهم منه ؛ فإنّ من الضروريات والبديهيات في الإسلام أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين والأوصياء المرضيين ، فإذا كان المسيح عليهالسلام آتاه الله تعالى النبوة في المهد وجعله نبيا في حال الطفولية ، وكذا النبيّ يحيىعليهالسلام آتاه الله تعالى الحكم صبيا ، فالنبيّ خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله وهو أفضل منهما بالضرورة من الدين آتاه الله تعالى النبوّة والحكمة في حال صباه بالطريق الأولى ، وإلّا يلزم ترجيح المرجوح وهو باطل.
وقد حقّقنا فيما تقدّم صفحة (٢٠٣) من الكتاب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان عالما بالقرآن الكريم من أوّل الأمر ، ولكن لم تتعلّق المشيئة الإلهية بإظهاره إلّا بعد البعثة ، كما يستفاد ذلك من آية (١٦) من سورة (يونس) وغيرها من الآيات ، وأوصياؤه من العترة الطاهرة نظيره في جميع الأوصاف والكمالات النفسانية إلّا النبوّة ، وهم في اعتقادنا أفضل من الأنبياء إلّا جدّهم خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله وحمل الآية على المعنى المجازي وتفسير قوله تعالى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) أي سيؤتيني كتابا ، وقوله تعالى : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) أي سيجعلني نبيّا فيما بعد ؛ نظرا إلى ما يأتي ويؤول أمره إليه ، فممّا لا يصار إليه فإنّ اللفظ يحمل على المعنى الحقيقي ما لم يكن دليل صارف عنه ، ولفظ الماضي في قوله تعالى : (آتانِيَ الْكِتابَ) وقوله : (وَجَعَلَنِي) حقيقة في وقوع الأمر وحدوثه وتحقّقه كما هو ظاهر الآية ، ولذا ذكر الشيخ الأعظم المفيد قدسسره : أنّ ظاهر الذكر الحكيم دليل على ما ذكره الإمامية رضوان الله عليهم.
قال قدسسره في أوائل المقالات : كلام عيسى عليهالسلام كان على كمال عقل وثبوت تكليف، وبعد أداء واجب كان منه ونبوة حصلت له ، وظاهر الذكر دليل على ذلك في قوله تعالى: (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) وهذا مذهب أهل الإمامة بأسرها وجماعة من أهل الشيعة غيرها ، وقد ذهب إليه نفر من المعتزلة وكثير من