ويرشد إلى هذا ما في الكافي عن أبي جعفر عليهالسلام : «من الأمور أمور موقوفة عند الله يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء» وهذا هو المراد عند الإمامية من القول بالبداء.
وتوضيح المقام : أنّ البداء إنّما هو على طبق قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) عن العيّاشي عن الباقر عليهالسلام أنّه قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقول : لو لا آية في كتاب الله لحدّثتكم ما يكون إلى يوم القيامة فقلت له : أيّة آية قال : قول الله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) الآية. ومثله عن التوحيد عن أمير المؤمنين عليهالسلام.
والآية كما ذكرها غير واحد من الأعاظم (ره) ردّ على اليهود والمتهوّدة المنكرين للبداء القائلين بأنّ يد الله مغلولة ، فرغ من الأمر ليس يحدث شيئا ، في الكافي عن أبي عبد الله عليهالسلام في هذه الآية : وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا ، وهل يثبت إلّا ما لم يكن ثابتا ، يعني في الآية دلالة على ثبوت البداء لله سبحانه فلا وجه لإنكار المخالفين علينا ....
وبالجملة إنكار البداء من عمى البصيرة ، وفيه وفي أسبابه من حكم القدر ، وأسراره ما لا يعلمه إلّا هو. ولقد أجاد من قال : إنّ مسألة البداء من غوامض المسائل الإلهية وعويصات المعارف الربانية ، وعجز هذه العقول عن إدراك حكمه وأسراره ... إلى أن قالقدسسره : وعن سيّدنا المرتضى (ره) ما مهذّبه : أنّ ظهور الشيء إنّما هو بعد وجوده فيجوز أن يقال : بعد وجود الشيء ظهر لله ما لم يكن ظاهرا له بوجوده وإن كان ظاهرا له في علمه ، ونظير هذا ما ذكروه في نحو قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) أنّ المعنى حتّى نعلم جهادكم موجودا ؛ لأنّ الجهاد قبل وجوده لا يعلم موجودا وإنّما يعلم ذلك بعد وجوده فتدبر ، انتهى.
قلت : مراد السيد علم الهدى قدّس الله روحه : أنّ البداء في مسألة البداء بمعناه اللغوي أيضا يمكن القول بصحّة استعماله ، بمعنى أنّه لا تغيّر في العلم ، وعلم الله تعالى قبل وجود الشيء ـ يعني في حال عدمه ـ عين العلم به بعد وجوده وإنّما التغيّر في المعلوم والمتعلق ، بمعنى كان عالما بالشيء قبل وجوده وهو عالم به بعد وجوده وظهوره ، من دون حصول تغيّر في العلم في الحالين.