فممّا لا شكّ أنّها من خرافات العامة ومجعولاتهم الكاذبة ؛ فإنّ تلك الروايات مع الغض عن أسانيدها والراوين لها ، بحيث لا يمكن الركون إليها أبدا ، متناقضة لا يمكن للباحث المنقّب ، ومن يتحرّى الحقائق على ضوء الدليل والبرهان والعقل والوجدان الاعتماد عليها ويقطع على أنّها من الموضوعات والمجعولات التي شحن أرباب الجوامع الحديثية للعامة كتبهم بها ، وألصقوا المعايب في نقلها على كرامة القرآن الكريم من حيث لا يشعرون ، وهم يحسبون أنّهم يذكرون الفضائل للخلفاء الثلاثة ، ولكن لا يحسنون صنعا ، مع أنّها أخبار آحاد لا يفيدنا علما ومخدوشة من جهات شتّى.
وقد ذكرها سيدنا الأستاذ المرجع الأعلى للشيعة اليوم السيد الخوئي دام ظلّه الوارف في مقدّمة تفسير البيان (١). وقال دام ظله : هذه الروايات معارضة بما دلّ على أنّ القرآن كان قد جمع وكتب على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : وصفوة القول : إنّه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أنّ أبا بكر كان أوّل من جمع القرآن بعد خلافته (٢).
وقال : إنّ هذه الروايات معارضة بالكتاب فإنّ كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالّة على أنّ سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض ، وإنّ السور كانت منتشرة بين الناس حتّى المشركين وأهل الكتاب ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله قد تحدّى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن وبعشر سور مثله مفتريات وبسورة من مثله ، ومعنى هذا أنّ سور القرآن كانت في متناول أيديهم.
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول النبيصلىاللهعليهوآله : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، وفي هذا دلالة على أنّه كان مكتوبا مجموعا ؛ لأنّه لا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور بل ولا على ما كتب في اللخاف والعسب ، والأكتاف إلّا على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإنّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب
__________________
(١) البيان ، ص ١٦٢ ، طبعة النجف.
(٢) البيان ، ص ١٦٦.