السابع : قوله : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) (١) وطلب الحاصل محال.
والجواب : أنّه تضرّع وانقطاع.
الثامن : قوله : (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (٢) والجواب : أنّه محمول على ترك الأولى.
__________________
ظاهر الآيتين أنّه لم يكن للنبي والذين آمنوا حقّ يملكون به ، بعد ما ظهر وتبين بتبيين الله لهم أنّ المشركين أعداء لله ومخلّدون في النار ، أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي القربى منهم. وأمّا استغفار إبراهيم لأبيه المشرك ، فإنّه ظنّ أنّه ليس بعدوّ معاند لله وإن كان مشركا ، فاستعطفه بوعد وعده إيّاه فاستغفر له ، فلما تبيّن له أنّه عدو لله معاند على شركه وضلاله تبرّأ منه ولم يستغفر له بعد ذلك ، فلا يعقل استغفار إبراهيم عليهالسلام لأبيه المشرك بعد ذلك أصلا.
وقال الله تعالى عن قوله عليهالسلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) إبراهيم ١٤ : ٤١. الظاهر من الآية أنّ إبراهيم عليهالسلام طلب المغفرة لنفسه ولوالديه وللمؤمنين يوم القيامة ، وهو يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده ، وقد تبرّأ من أبيه في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعدها إيّاه. قال تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) مريم ١٩ : ٤٧. وقال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) الشعراء ٢٦ : ٨٦. وقال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا ...) فإبراهيم عليهالسلام لما تبرّأ من أبيه المشرك وهو عدو لله ، محال أن يستغفر له بعد ذلك ولا سيما في أواخر عهده ويقول : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) ... فأبيه الذي كان مشركا لم يكن أبيه لصلبه وأبيه الذي استغفر له بقوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) هو أبيه لصلبه.
فما اعتقده الشيعة الإمامية في حقّ «آزر» أنّه كان عمّ إبراهيم عليهالسلام لا أبيه هو القول الحقّ ، الذي ينبغي المصير إليه ، فإنّه الموافق بما يستفاد من التدبّر في الآيات القرآنية ، وإطلاق الأب على العمّ من الاستعمال الشائع ، كما استعمل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة ٢ : ١٣٣ وقد أطلق الأب على إسماعيل عليهالسلام مع أنّه كان عمّ يعقوب بن إسحاق. فلا شكّ أنّه كان أبيه مؤمنا وإن لم يظهر لنا اسمه من القرآن الكريم من أنّه «تارخ» أو غيره ولا ضير في ذلك بعد ما حقّقنا أنّه كان من المؤمنين لا المشركين ، فما أطال به صاحب المنار من إثبات أنّ «آزر» هو الأب الصلبي لإبراهيم عليهالسلام متمسّكا بظاهر آية : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) ... الأنعام ٦ : ٧٤. وأطال الكلام في اثبات المرام ، فهو تطويل بلا طائل وغفلة عن التدبّر في سائر الآيات القرآنية المقدّسة كما عرفت ، والله الموفق.
(١) البقرة ٢ : ١٢٨.
(٢) الشعراء ٢٦ : ٨٢.