تختلف عن سيرة أُمّته التي وقفْتَ على صورة مجملة من أفعالها الدموية (١).
وإن كان الملاك هو تمسّكهم بالدين في مجال الأحكام والفروع فهو أيضاً لم يتحقّق ، وإن شئت فارجع إلى ما حدث بعد رحيل النبي في نفس عام الرحلة ، فإنّ كثيراً ممّن رأى النبيّ الأكرم وأدركه وسمع حديثه أصبح يمتنع عن أداء الزكاة ، بل وارتدّ بعض عن دين الإسلام ، لو لا أن يقمعهم الخليفة الأوّل ويرد عاديتهم.
لكن لا ندري هل نصدق هذا الحديث أم نؤمن بما حدّث القرآن الكريم ، حيث يعتبر قوماً أعرف بمواقع الإسلام ويفضلهم على من كان في حضرة النبيّ من الصحابة الكرام وقد ارتدّ ، يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢) قل لي من هؤلاء الذين يعتزّ الله بهم سبحانه ويفضّلهم على أصحاب النبيّ؟ فلاحظ التفاسير (٣).
لا ندري هل نؤمن بهذا الحديث الذي رواه الشيخان أم نؤمن بما روياه أنفسهما في باب آخر ، قالا : قال رسول الله : «يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُحلَّئون عن الحوض فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنّه لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى» (٤).
هل نؤمن بهذا الحديث أم نؤمن بما رواه المؤرّخون في حياة الوليد بن عقبة وهو الذي وصفه سبحانه بكونه فاسقاً وقال : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
__________________
(١) للوقوف على هذه الحوادث المرّة ، لاحظ تاريخ الطبري ، تاريخ اليعقوبي ، مروج الذهب للمسعودي ، وتاريخ الكامل للجزري ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة إلى غير ذلك من المعاجم التاريخية المعتبرة.
(٢) المائدة : ٥٤.
(٣) مفاتيح الغيب ٣ : ٤٢٧ ؛ تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ٦ : ١٦٥.
(٤) جامع الأصول ١١ : ١٢٠ : ٧٩٧٣.