دونها أو فوقها بقليل ، وأمّا قرن التابعين فآخر من توفّي منهم كان عام ١٧٠ أو ١٨٠ وآخر من عاش من أتباع التابعين ممّن يقبل قوله ، من توفّي حدود ٢٢٠ ، فيقل عن ثلاثة قرون بثمانين سنة ، وهذا كثير جدّاً ، ولأجل عدم انطباقه على ثلاثة قرون قال ابن حجر العسقلاني : «وفي هذا الوقت ٢٢٠ ه ظهرت البدع فاشياً ، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ، ورفعت الفلاسفة رءوسها ، وامتُحِن أهل العلم ليقولوا بخَلْق القرآن ، وتغيّرت الأحوال تغيّراً شديداً ولم يزل الأمر في نقص الى الآن» (١).
ولو افترضنا أنّ القرن يستعمل في مائة سنة فلا يصحّ تفسير الحديث به ، لأنّ المحور في الحديث في تمييز قرن عن قرن آخر هو الأشخاص حسب أعمارهم ، فعلى ذلك يجب أن يكون الملاك في تبادل القرون وتمايزها ملاحظة من كانوا يعيشون فيه حيث قال : «خير أُمّتي قرني» ولم يقل القرن الأوّل ، ثمّ قال : «ثمّ الذين يلونهم» فلم يقل ثمّ القرن الثاني ، وقال : «ثمّ الذين يلونهم» ولم يقل القرن الثالث ، فلا محيص عند حساب السنين ملاحظة الأشخاص الذين كانوا يعيشون في قرنه والقرنين اللّذين يليانه.
* * *
الثالث : ما ذا يراد من عبارة خير القرون وشرّها ، وما هو الملاك في الوصف بالخير والشر؟
هناك ثلاثة ملاكات للاتّصاف بالخير والشر ، كلّها محتمل :
١ ـ إنّ أهل القرن الأوّل كانوا خير القرون ، وذلك لأنّهم لم يدبّ فيهم دبيب الخلاف في الأُصول والعقائد ، وكانوا متماسكين في الأُصول ، متّحدين في العقائد.
٢ ـ كونهم خير القرون وذلك لسيادة الطمأنينة فيهم ، وكان الجميع متظلّل بظلّ الصلح والسلم إخواناً.
__________________
(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ : ٤.