٣ ـ كونهم خير القرون وذلك لتمسّكهم بأهداف الدين في مقام العمل وتطبيق الشريعة.
وأيّ واحد أُريد من هذه الملاكات ؛ فالقرآن والسنّة والتاريخ القطعي لا يدعمه بل يكذبه ، وإليك البيان :
فإن كان الملاك هو العقائد الصحيحة والباطلة ، وأنّ المسلمين كانوا متمسّكين جملة واحدة بمعتقد واحد صحيح في القرون الثلاثة الأُولى ثمّ ظهرت رءوس الشياطين ، ودبّت فيهم المناهج الكلاميّة الفاسدة ، ـ فإن كان الملاك هذا ـ فتاريخ الملل والنحل لا يؤيد ذلك بل ويكذّبه ، فانّ الخوارج ظهروا بين الثلاثين والأربعين من القرن الأوّل ، وكانت لهم ادّعاءات وشبهات وعقائد سخيفة خضّبوا في طريقها وجه الأرض ، ولم يتمّ القرن الأوّل إلّا وظهرت المرجئة ، الذين دعوا المجتمع الإسلامي إلى التحلل الأخلاقي ، رافعين عقيرتهم بأنّه لا تضرّ مع الإيمان معصية ، فقد ضلّوا وأضلّوا كثيراً حتّى دبّ الإرجاء بين المحدثين وغيرهم في القرن الثاني ، وقد ذكر أسماءهم جلال الدين السيوطي في تدريب الراوي (١). حيث كان الإرجاء يقود المجتمع الإسلامي إلى التحلل الأخلاقي ، والفوضى في جانب العمل. إلى أن ظهرت المعتزلة في أوائل القرن الثاني عام ١٠٥ ه قبل وفاة الحسن البصري بقليل ، فتوسّع الشقاق بين المسلمين ، وانقسموا إلى فرق كثيرة ، حيث كان النزاع قائماً على قدم وساق منذ أن ظهر الاعتزال على يد واصل بن عطاء حتى أواسط القرن الخامس الذي قضي فيه على هذه الفرقة.
وأمّا القرن الثاني فكان عصر ازدهار المذاهب الكلامية ، وكانت الأمصار ميداناً لتضارب الأفكار.
فمنهم متزمت يقتصر في وصفه الله سبحانه على الألفاظ الواردة في الكتاب
__________________
(١) تدريب الراوي ١ : ٣٢٨.