إنّ أصحاب الأهواء في كلّ زمان حتّى في عصر الرسالة ، كانوا يقترحون على النبيّ الأكرم أن يغيّر دينه ، ويأتي بقرآن غير هذا ، لكي يكون مطابقاً لما تستهويه أنفسهم ، فأمر الله سبحانه أن يردّ اقتراحهم بقوله : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١).
وكان في عصر الرسالة من يتقدّم على الله ورسوله ، لا مشياً وإنّما يقدّم رأيه على الوحي فنزل الوحي مندِّداً بهم وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢).
والكذب من المحرّمات الموبقة التي أوعدَ اللهُ عليها النار ، والبدعة من أفحش الكذب ؛ لأنّها افتراء على الله ورسوله ، قال سبحانه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣). فالمبتدع يَظهر بزيّ المحق عند المسلمين ؛ فيفتري على الله تعالى دون أن يكشفه الناس فيضلّهم عن الصراط المستقيم.
ومن المسلّم به أنّ لله في كلّ واقعة حكماً إلهيّاً لا يتبدّل ولا يتغيّر الى يوم القيامة ، فاذا حكم الحاكم وِفق ذلك الحكم فهو حاكم عادل معتمد على منصَّة الحق ، إلّا أنّ المبتدع يحكم على خلاف ذلك الحق ، لذلك يصفه سبحانه بكونه كافراً وظالماً وفاسقاً ، قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وقال عزّ من قائل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤).
__________________
(١) يونس : ١٥.
(٢) الحجرات : ١.
(٣) الأنعام : ٢١.
(٤) المائدة : ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦.