إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (١). والمراد من الحكم هو التشريع بقرينة قوله : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ). فالبدعة هو تشريك الناس في ذلك الحقّ المستأثر ، ودفع زمام الدين إلى أصحاب الأهواء ، كي يتلاعبوا في الشريعة كيفما شاءُوا ، وكيفما اقتضت مصلحتهم ومصلحة أسيادهم وأربابهم ، فذلك الحق المستأثر يقتضي ألّا يتدخّل أحد في سلطان الله وحظيرته ، قال سبحانه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٢).
والمبتدع يتصرّف في التشريع الإسلامي فيجعل منه حلالاً وحراماً بدون إذن منه سبحانه في ذلك. يقول تعالى :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٣) فالآية واردة في عمل المشركين ؛ حيث جعلوا ما أنزل الله لهم من الرزق بعضه حراماً وبعضه حلالاً ، فحرّموا السائبة والبحيرة والوصيلة ونحوَها ، لذا يردّ عليهم سبحانه : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) أي أنّه لم يأذن لكم في شيء من ذلك ، بل أنتم تكذبون على الله ، ثمّ يهدّدهم بالعذاب فيقول : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (٤). ويؤكد عليه في آية أُخرى ويقول : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (٥).
__________________
(١) يوسف : ٤٠.
(٢) الأحزاب : ٣٦.
(٣) يونس : ٥٩.
(٤) يونس : ٦٠.
(٥) النحل : ١١٦.