المقام الثاني
في ذكر الفضائل المقابلة لها
مع ما بدل على الحث عليها
وفيه فصول
فصل
الحكمة هي العالم بحقائق الأشياء ، ولما كانت مباحث العلم من أشرف المباحث وأبهاها فبه يمتاز الإنسان عن النفوس البهيميّة ، وبه يترقّى عن المرتبة الملكّية ، فلا غرو لو أطلقنا عنان القلم في هذا المقام بما لم نطلقه في سائر الفضائل لكونه من أهمّ المهام في عدّة مقاصد :
المقصد الأول :
قد تطابق العقل والنقل على كون العلم أشرف الأشياء ، ونحن نشير إجمالاً إلى الشواهد العقليّة والظواهر السمعيّة الدالّة ترغيباً للأصحاب إليه.
فنقول : لاريب في كون العلم محبوباً في نفسه ومطلوباً بالذات ، ولذّة اقتنائه من أعظم اللذّات ، فإنّ إدرك الأشياء نوع تملّك لها لتقرّر حقائقها وصورها في ذات المدرك وهو أقوى من ملكية الأعيان لزوالها ومبائنتها عن ذاته دونه ، والنفس لكونها من سنخ المجردات وعالم الربوبية يشبه المبدأ في ميله إلى الاستيلاء والتملّك للأشياء والتصرّف فيها كيف يشاء ، فإن كلّ معلول من سنخ علّته كما تقرّر في محلّه فيناسبها في آثارها وصفاتها ويبتهج