من الاتّصاف بكمالاتها ، ولذا قيل : إنّ الصادر عن شيء لايمكن أن يكون هو من جميع الجهات ولا أن يكون ليس هو كذلك ، وهو المراد من قولهم : الممكن زوج تركيبي ، وهذا المعنى وإن اشترك في جميع الممكنات الا أن الذوات النورانيّة التي هي من عالم الامر لكونها إليه أقرب والواسطة بينها وبينه أقلّ إليه أنسب ، فشوقه إلى الاتصاف بكمالاته أكثر ، ومنها النفس لقوله تعالى : ( قل الروح من أمر ربّي ). (١)
فلها غاية الميل إلى صفاته التي من جملتها الغلبة والاستيلاء والتسلّط على الأشياء والتصرّف فيها كيف تشاء ، لأنّها معنى الربوبيّة.
وممّا يوضح كون العلم نوع استيلاء وتسلّط على الأشياء ، استتباعه للعزّ والوقار ونفوذ الحكم على الملوك وذوي الاقتدار ولزوم الاحترام في الطباع حتّى إنّ أغبياء الترك وأجلاف العرب طباعهم مجبولة على توقير شيوخهم لاختصاصهم بمزيد علم مستفاد من التجربة ، بل البهائم بطبعها توقر الانسان بكمال مجاوز لدرجتها ، وهكذا إلى أن تؤثّر في انقياد كلّ ما على الأرض من الجماد والنبات والحيوان ، ثم تجاوز إلى إطاعة النفوس المجرّدة الفلكيّة والكواكب النوريّة والأجرام السماويّة وغيرها.
وأيضاً فإنّ كلّ معقول إمّا موجود وإمّا معدوم ، والأوّل أشرف بالضرورة ، وهو إمّا جماد أو نام ، والثاني أشرف بالضرورة ، وهو إمّا حسّاس أو غيره والأوّل أشرف بالضرورة ، وهو إمّا عاقل أو غيره ، والأوّل أشرف بالضرورة وهو إمّا عالم أو جاهل ، والأول أشرف بالضرورة ، فظهر أن العالم أشرف الموجودات بالضرورة ، وأيضاً فكلّ فعل إمّا أن ترضاه
__________________
١ ـ الاسراء : ٨٥.