المقام الأوّل
في ذكر الرذائل ومعالجاتها ، ولابدّ من ذكر جنسها مع ما هو من أعظم أنواعها ولوازمها في عدّة فصول :
فصل
قد تبيّن لك أنّ أحد الجنسين الشره من طرف الافراط وهو الانهماك في الشهوات الغير المحمودة عقلاً ونقلاً كما عرفت ، فيشمل رذائل القوّة الشهوية من طرف الافراط بأسرها.
وهذا المعنى هو الذي فسّره القوم به وجعلوه جنساً في مقام حصر أجناس الرذائل ، لكنّهم في مثل هذا المقام فسّروه بما هو أخصّ منه أعني شهوة البطن والفرج.
ولعلّه مبنيّ على كونها من أظهر أفراده وأشيعها لعموم البلوي بها ، وكونها بمنزلة الأصل ، والباقي بمنزلة الفروع واللوازم المترتّبة عليها.
ولو فسّروه هنا بحبّ الدنيا على ما سنذكره ، وذكروا جميع ما يذكر هناك في المقام ، ثم ذكروا بعد ذلك شهوة البطن والفرج في جملة الأنواع اللوازم كان أصوب.
ولكنّا نتبعهم في ذلك كسائر ما تبعناهم فيه لسهولة الخطب وقلّة الجدوى.
فنقول : أمّا شهوة البطن فصاحبها ذليل بالبطع ، قصير الهمّة ، مستفرغ وسعه في تدبير القوّة البهيميّة ، صارف فكرته وجهده في خدمتها ، فهو أخسّ من البهيمية ، ضرورة كون الخادم أخسّ من المخدوم. والاستكثار منها يورث البلادة ويولد الأمراض البدنيّة والأسقام المادّية كالهيضة والتخمة والعفونات الحادثة من السدّة الامتلائية وانصباب المواد المجتمعة من فضلات الأغذية إلى الأعضاء ، فإنّ المعدة بيت كلّ داء كما أنّ الحمية رأس كلّ دواء.