الاستقامة على الحق ـ تكليف نفسه على ذلك ولو تكلّفاً إلى أن يصير له عادة.
فصل
ومن رذائل قوّة الغضب القساوة أي ملكة عدم التأثّر من تألّم أبناه النوع. ويترتّب عليها من الصفات الذميمة الظلم والايذاء وترك إعانة الضعفاء ومواساة الفقراء ونحوها وامتناع النفس عن قبول المواعظ والنصائح والخوف من الله تعالى.
وفي الخبر النبوي صلىاللهعليهوآله : « يقول الله تعالى : اطلبوا الفضل من الرحماه من عبادي وتعيّشوا في أكنافهم فإنّي جعلت فيهم رحمتي ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم ، فإني جعلت فيهم سخطي ». (١)
والأخبار في ذمّ القسوة وفضل ضدّها الرحمة أكثر من أن تحصى ، والله سبحانه وتعالى شبّه قلوبهم بالحجارة ، ثمّ قال : ( أو أشدّ قسوة ). (٢)
وبينّها بأنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وأنّ منها لما يهبط من خشية الله.
وبالجملة فذمّ القساوة في الكتاب والسنّة كثير ، والمفاسد المرتّبة عليها أظهر من أن تخفى ، وكذا مدح الرحمة وشرفها ، ويكفيها فضلاً كونها من أظهر الصفات الالهيّة التي ينسبها إلى ذاته في كلامه المجيد دائماً ، والله يحبّ من عبده التشبّه به في صفاته ، ويكره منه ما يضادّها. لكن إزالتها عن القلب في غاية الصعوبة ، فيحتاج إلى رياضة تامّة بترك لوازمها وآثارها ، و (من خ ل) المواظبة على آثار الرحمة والرأفة من الأعمال الظاهرة ، ويكلّف نفسه عليه تكليفاً عنيفاً حتّى تتبدّل تدريجاً.
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٦٠.
٢ ـ البقرة : ٧٤.