المصلحة أو يترجّح عليها من باب الأولويّة أو اتّحاد الطريق ، لكن ينبغي الحتراز عنه مالم يضطرّ إليه ، والاقتصار على الواجب ، فالكذب لمصلحة الجاه أو المال المستغني عنه لعلّه محرّم لعدم إيجابه ضرراً أو فساداً أو إعداماً للوجود ، غايته فوات بعض الحظوظ النفسانيّة ، وأمّا ملا يستغنى عنه فينبغي للعاقل أن يوازنه بمحذور الصدق ، ويلاحظ أيّهما أشدّ محذوراً وأعظم وقعاً في نظر الشارع ، ويحترز عنه (١) ، ومع التردّد يميل إلى الصدق عملاً بالأصل.
تفريع
الأولى في مقام يجوز فيه الكذب العدول إلى التعريض والتورية مهما أمكن ، وهو المراد من قولهم إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ، إذ معالاستغناء عنه يكون كالتصريح ، إذ خطر الكذب ناشىء من تفهيمه المخاطب خلاف الواقع ، وهو حاصل في التعريض أيضاً ، نعم إذا اضطرّ إليه وجاز له الكذب الصريح لصحّة قصده وحقّية نيّته ، حيث إنّ حس الصدق لدلالته على الحقّ ، وهذا أيضاً لارادته الخير والمصلحة طالب له ، فكأنّه صادق في الحقيقية ، وإن كان كاذباً في الصورة ومفهماً لما هو خلاف الحقّ ، كان التعريض أولى ، لكونه أقرب منه بحسب الصورة أيضاً ، وإن شارك الكذب في تفهيم خلاف الواقع.
وقال الصادق عليهالسلام في قوله تعالى في قصّة إبراهيم : ( بل فعله كبيرهم ) (٢) ما فعل كبيرهم وما كذب إبراهيم ، قيل : وكيف ذاك؟ فقال : إنّما قال ( فاسئلوهم إن كانوا ينطقون ) (٣) أي إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً ، فما نطقوا وما كذب إبراهيم.
__________________
١ ـ وظيفة المكلّف إن لم يكن مجتهداً في أمثال هذه الموارد الرجوع إلى مقلّده.
٢ ـ الأنبياء : ٦٣.
٣ ـ الأنبياء : ٦٣.