والتخفيف فكيف يؤاخذو برذائل ملكاتهم وأعمالهم وأعمال قلوبهم مع ما ذكر من شدّة صعوبتها؟ فإذا لم يؤخذوا بعدم تحصيل أصولهم وفروعهم بالأدلّة التفصيليّة مع كونها أسهل منها أسهل منها بمراتب شتّى ، فبالحري أن لا يكلّفوا عيناً بها بطريق أولى.
وأمّا الترغيبات والترهيبات الواردة عن معادن الحكمة وأهل بيت العصمة عليهمالسلام والتأكيدات البليغة في ذلك فلاينافي عدم اللزوم العيني مع شدّة الرجحان الذاتي لو أريد منها نفس تلك الملكات دون آثارها والأعمال المترتّبة عليها ، فإنّها موافقة لما هو مقتضى الحكمة في الأمور الصعبة الشاقّة التّي تهرب النفوس العامّة عنها كما ترى في كثير من المستحبّات التي لايمكن أن ينسب صعوبتها إلى صعوبتها.
ثمّ الأوامر والنواهي الواردة في الشريعة في فعل المعاصي وتركها منصرفة إلى أفعال الجوارح ، لأنّه الحقيقة من الفظ دون فعل القلب ، أي العزم عليه لوجود امارات المجاز فيه من عدم التبادر وصحّة السلب ، حيث يجزم العرف بأنّ العزم عليه ليس فعلاً ، وأنّ من همّ بفعل ولم يفعل لم يفعله حقيقة ، ولو فرض كونه حقيقة فلاشكّ في كونه خلاف المتبادر ، فلا يصرف إليه إطلاقاتها ، سيّما مع المخالفة للأصول والظواهر والآيات والاجماع المدّعي في كلام جماعة.
فصل
المكر والحيلة والخدعة والنكر والدهاء ألفاظ مترادفة ، وهي في اللغة شدّة الفطانة ، وفي العرف استنباط بعض الأمور من المآخذ الخفيّة البعيدة عن الفهم لإصابة مكروه إلى الغير من حيث لايعلم ، وهو المراد هنا.
والفرق بينها وبين الغشّ والغدر والتلبيس حيث عدّت الاولى من رذائل العاقلة ، والثانية من رذائل الشهويّة. إمّا خفاء المقدّمات وبعدها عن الفهم في الاولى دون الثانية كما قيل ، أو أنّ المراد من الاولى نفس