ان لم يصرح بلسان نبيه بالمراد فكيف وقد صرح وباح بالسر ، فالممتنع عنه مضيع للبذر معطل للآلات المعدة غير جار على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه الأعضاء بخط الهي ليس برقم حروف وأصوات ، يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في درك دقائق الحكمة الأزلية ولا منافاة بين محبته لبقاء النسل وكراهة انقطاعه وبين تقديره الموت والفناء ، فان التقدير المزبور مسبب عن الارادة المجامعة للحب والكراهة كالمعاصي المكروهة المرادة والطاعات المحبوبة المرادة وكيف يساوق الفناء البقاء في المحبة والكراهة مع أنه تعالى يقول : ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه فأشار الى اجتماع الارادة مع الكراهة. والتفصيل في المقام له محل آخر ، انتهى ملخصا. منه عفي عنه (١).
( ٤٣ )
ص ٢٠٦ س ٧
فان الغالب في حق من لا عجز له مع غلبة الشهوة كما هو الأغلب وعدم مقاومة قوة التقوى لها اقتحام الفواحش كما قال تعالى : ( الا تفعلوه تكن في الأرض فتنة وفساد كبير ) (٢) وأما مع كونه ملجما بلجام التقوى فغايته كف الجوارح عن اجابتها بغض البصر وحفظ الفرج. فأما حفظ القلب عن الوسواس فلا يدخل تحت الاختيار ، بل لاتزال النفس تجاذبه وتحدثه بأمور الوقاع ولا يبعد عنه شيطانه الموسوس اليه في اكثر أوقاته حتى في صلاته فيحدثه بأمور لو تكلم به أخس الخلق لاستحيى منه والله مطلع على قلبه وهو في حقه تعالى كاللسان في حق الخلق وهذه محنة عامة لا
__________________
١ ـ إحياء العلوم ٢ / ٢٦.
٢ ـ اقتباس من الآية في سورة الأنفال.