( ٢٥ )
ص ٩٩ س ١٤
قال بعض العارفين في التعبير عن المعرفة بالعبادة في الآية ايماء الى أن تحصيل المعرفة الحقيقية التي هي الغاية القصوى في ايجاد الخلق لا طريق لها الا بالعبادة التي حقيقتها تصفية الظاهر والباطن عن ذمائم الأخلاق والأعمال وتحليتها بمحاسن الصفات والأفعال وهو علم المكاشفة التي لأجلها خلق الانسان وهو النور الحاصل من قلب الذي أشرنا اليه في صدر الكتاب مع أن بالانصاف يجزم العاقل بأن لا سبيل الى المعرفة الحقيقية المطابقة للواقع الا بها كما قال تعالى في موضع آخر : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وأي برهان أعظم من التجربة والعيان ، فان العقول المتناقضة مع شدة اختلافها في مراتب الادراك متفقة في اعتقادها صحة ما تسكن اليها العقائد مع مناقضاتها الشديدة التي لا تحصى ، وقد عرفت شدة خطر هذا العلم بحيث يكون الشك فيه موجبا للكفر فضلا عن اعتقاد ما يخالف الواقع ، فكيف يحصل الاعتقاد الجازم واليقين الثابت بكون ما اعتقده مطابقا للواقع بمجرد التفكر في القوانين الأدلة التي تتطرق الى ترتيبها أنواع السهو والغلط في رعاية الشرائط في مقدماتها غالبا ، ولولاها لما وقع التناقض المذكور في الآراء والعقائد لا متناع صحة المتناقضات بأسرها فلا يكون مسلك الى الواقع الذي لا تتطرق اليه السهو والغلط الا بالتقليد لمن عصمه الله منه من الأئمة المعصومين ثم مجاهدة النفس بالرياضات وتصقيلها بالطاعات حتى يلهمه الله المعارف الحقة اذ لا يتطرق اليه بعد ذلك احتمال الغلط والسهو اذا كانت على وفق الشريعة المطهرة برعاية قوانينها وآدابها وشرائطها وكيف لا ينكشف بذلك مع أن النفس الناطقة بمنزلة المرآة كلما